( ثقافات )
في العام الماضي، أصدر الباحث والناقد محمد عبيد الله كتابه”الصناعة المعجمية والمعجم التاريخي عند العرب“، الذي جاء فاتحة إصدارات في مشروع بحثي بدأه منذ عشر سنوات. تناول الإصدار الأول صناعة المعاجم وكذلك المعجم التاريخي ونشأته وصلته بعلم اللغة التاريخي والمقارن، وقضية الفصاحة في المعجمية العربية، وقضايا التأصيل والمعنى.
منذ أيام، صدر كتابه الجديد “مفاتيح التراث.. معجم الأديان والمعتقدات والمعارف قبل الإسلام”، عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” ببيروت وعمّان، وبدعم من “جامعة فيلادلفيا الأهلية”، والذي يقدّم شرحاً لـمئتين وسبعة وخمسين مدخلاً معجمياً مرتبة ترتيباً هجائياً.
يشير المؤلّف في المقدمة إلى تطلعه لاستكمال هذا المشروع المعجمي ضمن عدّة مجلدات قد تنشر منفردة أو مجتمعة في فترة قريبة، مقسّمة على النحو الآتي: “معجم مصطلحات اللغة والكتابة والأدب”، و”معجم المجتمع والثقافة الشعبـية”، و”معجم الحضارة المادية”، و”معجم الفنون والألعاب والأزياء”.
ويوضّح أن “هذا المعجم يقدّم مادّة معرفية تـتصل بحقبة قديمة من الحقب التي مرّت بها الأمة العربية في تاريخها الطويل، وهي حقبة ما قبل الإسلام التي يحدّدها الدارسون بـنهايتها أكثر مما يعرفون أوائلها وبداياتها على وجه الدّقة، فقد انتهت تلك الحقبةُ بظهور الإسلام وانتشاره مع بدايات القرن السابع الميلادي، وخلال مدّة وجيزة لا تـتعدّى بضعة عقود غدت [الجاهلية] – كما سمّتها المرحلة الجديدة – ذكرى بعيدة مضبّبة، وبعُد العهد بها، وانقطع الناس عنها، فازداد غموضها”.
يضيف أستاذ النقد والأدب: “لقد تميّزت مرحلة التدوين بالبدء في صناعة المعاجم وتطوّر وضعها وتأليفها ابـتداءً من نهاية القرن الثاني للهجرة وامتدادًا إلى القرون اللاحقة؛ ويبدو أن صناعة المعاجم لم تختلف في غاياتها وأهدافها، أول الأمر، عما هدفت إليه مناشط التدوين، فقد كان الهدف منها لا يبعد عن حفظ العربـية الشريفة بعدما كرّمها الله بالقرآن الكريم، وغدت معرفتها والتبحّر فيها آيةً من آيات فهم الدين والتفقّه فيه وإدراك مراميه”.
وانفرد العرب بالسبق في مجال الصناعة المعجمية بوصفها وسيلة منهجية حيوية لضبط اللغة ومحتواها الحضاري والثقافي، انطلاقًا من مفرداتها ووحداتها المعجمية، بحسب الكتاب، فوضع الخليل بـن أحمد الفراهيدي كتاب “العين”، ووُضِعت بعده معاجم متعدّدة المناهج والطرائق، تضمّنت مادّة ثريّة عن حقبة ما قبل الإسلام. وفي ضوء محدّدات الفصاحة وصحّة اللغة، غدت للشعر والتراث الجاهلي قيمة عالية؛ لأنّه يحقّق تلك المعايير والقواعد أفضل تحقيق، بل يُعدّ شاهدًا على صحّة اللغة وفصاحتها، ويعدّ عنصرًا من عناصر فهمها وإدراك أبعادها. ومن خلال التعريف اللغوي قدّم المعجميّون إضاءات تاريخية ومعرفية ومعلومات موضّحة لكثير من مفاتيح التراث الثقافي والحضاري العربـي قبل الإسلام.
ويشير عبيد الله إلى أنه إذا كان المعجم – أيّ معجم – كتابًا عِماده المفردات أو ما في حُكْمها من التراكيب والعبارات الاصطلاحية، فقد عمدنا إلى اختيار المداخل المعجمية التي بـني عليها هذا المعجم من مدوّنة واسعة شملت الشعر والنثر والمصادر التاريخية والموسوعية والمعجمية القديمة. وتنعكس هذه المدوّنة في مداخل هذا المعجم وفي قائمة المصادر والمراجع المثبـتة في نهاية المعجم، وتشمل أزيد من ثلاثمائة مصدر ومرجع اقتبسنا منها اقتباسات مباشرة كما يظهر في الهوامش.
ويجد القارئ في هذا المعجم معظم المداخل اللازمة للإحاطة بأديان العرب ومعتقداتهم ومعارفهم قبل الإسلام، ويشمل ذلك المكونات الفرعية الآتية؛ الأديان: وتشمل أسماء أديان العرب وأصنامهم وأنصابهم وأوثانهم. كما تشمل تسميات الوظائف والجماعات ذات الطابع الديني، وتشمل بعض الأساطير والخرافات والممارسات والطقوس، كما عرّفنا بالأماكن والمعابد التي كانوا يمارسون فيها عباداتهم.
إلى جانب المعارف التي تتضمّن سبل المعرفة القديمة؛ كالكهانة، والعرافة، والقيافة، والتطيّر، وزجر الطير ونحو ذلك، مما حاولوا من خلاله استشراف المستقبل والاطلاع على الغيب والمجهول، والكائنات غير الإنسية: عرّفنا بـتصورات العرب للكائنات غير الإنسية، كالجن، والشقّ، والنسناس، والسعلاة، ونحوها، ومعارف السماء: وتشمل الفلك والنجوم والأنواء والأزمنة، وخصوصًا ما كان له صلة بالديانة والمعتقد، الطب والأدواء: وتشمل معارفهم في معالجة بعض الأمراض، وقد اختلط في فهمهم المرض بالاعتقاد، فتصوّروا أن سبب المرض يعود إلى فعل الجنّ أو غضب الآلهة، وكثيرًا ما لجأوا إلى سدنة الأصنام والكهنة والعرّافين للاستطباب.
يُذكر أن محمد عبيد الله يعمل أستاذاً للأدب والنقد في “جامعة فيلادلفيا” الأردنية، وله العديد من المؤلّفات في نقد السرديات والبحث في الموروث العربي؛ من بينها: “القصة القصيرة في فلسطين والأردن” (2002)، و”فن المقالة” (2002)، و”بلاغة السرد” (2006)، و”أساطير الأولين” (2013)، و”الوعي بالشفاهية والكتابية عند العرب” (2014). كما نشر مجموعتين شعريّتين هما: “مطعوناً بالغياب” (1993)، و”سحب خرساء” (2005
مرتبط
إقرأ أيضاً
-
شعر ونثر ما قبل الإسلام*يوسف أبولوز إلى الآن، وبعد المديد من القرون والسنين والأجيال اللغوية والبلاغية لم تذبل زهرة…
-
القصيدة قبل الجسدشوقي أبي شقرا *صباح زوين إنما هي العقد والواسطة معاً، انما هي الشاعرة في مبتدأ…