“مهموس رخو من أقصى الشعر” للشاعرة المغربية مالكة العلوي

( ثقافات )

 صدر عن مطبعة الشركة المصرية بالقاهرة، عن منشورات القلم العربي بالقنيطرة المجموعة الشعرية الأولى للشاعرة والأديبة لالة مالكة العلوي، بعوان (مهموس رخو من أقصى الشعر). الديوان الذي تزين واجهة غلافه اللوحة التشكيلية “شجرة الحياة” للفنان النمساوي العظيم غوستاف كليمت ، يقع في 130 صفحة من القطع المتوسط ، يضم بين دفتيه 25 قصيدة جمعتها الشاعرة ضمن كتاباتها التي نشرت في مجلات وملاحق ثقافية عربية ووطنية ما بين 1999 و 2020 .

جاء في تقديم الديوان، للعلامة البياني الدكتور عبد الجليل هنوش: ” الشعر في حقيقته سعي دائم لاقتناص المعاني والقيم، وهذا السعي عُلُوّ من الحس إلى الروح مرورا بعوالم النفس العجيبة التي هي مراتع الشعراء ومواقع أُنسهم. فهو بهذه الصورة أشبه بدائرة إبداعية ينتقل فيها الشاعر من مرتبة إلى أخرى ومن نقطة إلى التي تليها، ولكل مرتبة قوانينها، وبحسب إحكام هذه القوانين يختلف الشعراء وتتباين أشعارهم لغة ونغما وبناء وقوة. والشاعرة الأستاذة مالكة العلوي عاشت هذه الدائرة الإبداعية في ديوانها هذا وتنقلت بين مراتبها كما شهدت بذلك مقاطع دالة من الديوان. فقد انتقلت من مرتبة الوجع الذي ” لا يندمل دون قرض شعر أو كتابة ناقمة” كما قالت، وهي مرتبة الحس المشاهد، إلى مرتبة النفس في أول درجاتها الموسومة بالدهشة، وهي دهشة تكشف الغشاوة عن العين فلا يبقى سحر، وترفع الحجاب عن العقل فلا يظل شك: “كلما غمست يراعي في يمّ الدهشة تصورت أن كل شيء يزول من سحر ومن شك ثم تواصل الانغماس في يم الدهشة لتدخل في أعلى درجات النفس وهي الحب المتصل: أوقظ اليراع على شرف حبّك وأمعن النظر فيه إلى آخر العمر ولما كان الحب بابا من أوسع أبواب النفس المفضية إلى الروح، فإنها تلج به عالما غريبا مفتوحا على الغيب: أنا قصيدة في لوح غريب ألملم وجه النبوءات” وهكذا تكتمل دائرة الإبداع بين وجع حسي تتولد عنه قصيدة، لتسلمها القصيدة إلى بحر الدهشة فباب الحب المفضي إلى عالم الروح المليء بالنبوءات، عالم الألواح التي تكتب عليها القصائد الحقيقية المتصلة بالقيم الأصلية”

وكتبت الشاعر لالة مالكة العلوي، كلمة في بداية الديوان موسومة ب :” لماذا أفضح مشاعري بعد كل هذا الصمت؟” (لم أكن لأقدم على شيء مثل الذي بين أيديكم، لولا هذا الجوهر الذي يبدد الشكوك، ويلهب المشاعر .. قدرة عظيمة على التشكل والامتداد، رأيت حقلهما في تخوم تاريخ مديد من الانشغال بالقراءة والتدبر في متون الحياة. في وقت حائل بين الكتابة والتأمل. في مدارة المصير واستعادة الشعور بالأنا، من حيث هي (النحن) و(شريك العمر)، رممت القصيدة، التي نصبت قلاعها في بؤبؤ النثر، ونذرتها نافذة لبوح مباغت، واجم مهدور للتملك والاغتباط، حتى إنني، أحيانا .. بل غالبا ما يتوجب علي الرجوع إلى سعادة مجتباة، تفوض للمشاعر علاقة البحث عن أشكال جديدة من الحوار الوجودي، ومن الصعود باتجاه فراشات واثبات زرقاوات، ذوات الأقدام الفُرْشِيّة، ممن يفتتن الأقلام على اغتماس ورد الشعر وتوشيحه. هل أنا محقة في إيقاظ حواسي من عبث اللامعنى؟ ذلك أن النصوص التي تختزل جهدا كبيرا من التفكير والاستنتاج، لا يمكن أن تكون غير التي رسم لها، منذ البدء وآخر المآل. فماذا أقول هنا، غير أني أستفز خواطر القارئ، وأسلك به عبر جغرافيات الحرف ومباهجه، محتمية بقاموس ليس قريبا من فهوم العابرين. إني أجرب القصيدة، وأجردها من لبوسها الفاتر المقنع. أوسع مسامها لكي تصير جزء من قرابتي للمدلول العربي. لذلك الموج المتفاقم بين صرخات الغرقى. أعتقد أن الكتابة بهذا المعنى، ستعزز هويتي الشعرية .. ربما، لأن مسلكية التشكل من هذا المنطلق، سيكون صوغا لجدوى الانتماء للمنذور الشعري، ولرؤيا التدافع من أجل ترسيخ مفهوم الكتابة الشعرية بشكل عام. محطة أتوق إلى تكسيرها وإعادة تجميلها وتوهيمها، بما يمكن أن يضفي عليها مساحة من القراءة والبحث عن كتابات جديدة من داخلها .. إني أقرأ كثيرا ولا أعجز عن مباهاة زمن القراءة، من التحويل المفرط للمحتوى، بالتفوق على ملذات الذات والخمول .. لهذا أنا مقتنعة تماما من جواب سعيد، جسدته بدهية أحد المفكرين، عندما سُئِل : لماذا تقرأ كثيراً ! قال: لأنّ حياة واحدة لا تكفي .. فهل يكفيني شوط واحد للحلم بقصيدة أزلية تحمل قيمة واجمة، بحجم السماء :”مهموس رخو من أقصى الحلق”؟ ربما .. لكن، أكيد أن الصمت أحيانا يغير حقيقة كوني مجاورة لدهشة الكتابة، سرابها السابح في ذرى الإبهار ..).

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *