هاتوا لي مرآةً..قصيدة جديدة للشاعرة زُلَيْخَة أبوريشة

( ثقافات )

هاتوا لي مرآةً

    زُلَيْخَة أبوريشة

 

هاتوا لي مرآةً

أبصرْ فيها ما يتراءى

من مَوجٍ لُجِّيٍّ يخبطُ

أو أرواحٍ غرقتْ بحثاً عن مرجانِ الأعماقْ..

هاتوا لي مرآةً تحبسُ نهراً

أو عُمراً

أو شطراً من رحلةٍ عُمرٍ

أو شعباً من حُبٍّ

مثلَ نساءِ هامت مثلي..

وهاتوا لي

الجمرَ،

فإني لا أخشى الجمرَ

إذ اني أبصرُ فيه عليلَ الريحِ

وأُبصرُ ما في الظمأِ من الرِّيِّ

وما في الصحوِ من السُّكرِ

وما في السُّمِّ من الترياقْ..

وهاتوني من مرآتي

اشتقتُ إليَّ

اشتقتُ إلى أسفاري نحوَ عرينِ نمورِ الرغبةِ

واشتقتُ لدَوْري في سَحبِ الآهةِ

من صدرِ الصَّبِّ العَشّاقْ..

وهاتوني

بَعُدَ العهدُ عن العهدِ

وأزرى بالوَردِ

تلجلُجُ ماءِ الوَردِ

وهاتوني مني يا عُشاقُ

وهاتوني من زنزانةِ نُسكي

أو

من ديجورةِ بئرٍ تشتاقْ..

حتى أتملّى الواردَ في مخطوطِ السُّهدِ

عن الوجدِ وآلاء الوجدِ

وعما قالت عشتارُ

وقالت إنانا

أو

ما قالت زينبُ واللاتُ

وفاطمةُ الزهراءُ

عن الوَلَهِ.

فهاتوا لي مرآةً تتكلّمُ يا حرّاسُ

وتخطُبُ في المعدنِ

حتى ينسى قانونَ المعدنِ

وليعلمَ أنْ ليسَ سوى نفخةِ خُيَلاءْ..

فيخجَلَ،

وتُليِّنُ قلبَ الحجرِ

فينتفضُ ليغدوَ حُقّاً من ماءْ..

وتدمدِمُ

حتى تغدوَ أرضُ المغرومين مِهاداً

وجبالُ العُسرِ سهولاً ومراعيَ،

ثمَّ ترنَّمُ

فالأشجارُ على إيقاعِ المرآةِ

تمايَلُ

يا لَلكونِ إذا جاءَ الكونَ الحُبّْ!

ثمَّ تغني

فليصمتْ ما في المَلَكوتِ

ليُصغِ غريبُ الطيرِ

وسكانُ الأجَماتِ

وأحياءُ الشطّارِ المأفونينَ

عراةِ الليلِ

ولُبّاسِ الرثِّ من المعنى.

وليُصغِ الإنسيُّ الجِنّيُّ

ودوحُ يتامى العقلِ يتامى القلبْ..

وأشباحُ مقابرِ أمواتٍ ماتوا عشقاً أو

جهلاً

أمواتٍ داستهم أهوالُ حياةٍ عاشوها

بالفلقةِ والصَّلبْ..

وأمواتٍ قصفتهم ريحُ وباءٍ سورياليٍّ

فانخذلوا

وتَبهدلَ حالُ إقامتهم في الناسوتِ..

فيا مرآةَ النفسْ

ويا مترهبنةً تحتَ سماء اللاهوتِ

وفي قرصِ الشمسْ..

جهلتنا الصُّدفةُ

ولقد أعمانا وسواسُ الصُّدفةِ..

هاتوا لي مرآةً تتكلَّمُ عني

فأنا تعبتْ أحصنتي

وجفتْني لغتي..

مرآةً

في الليلِ، إذا ابتردَ الليلُ،

تغطّيني

وإذا برئت مني الفكرةُ

تندهني

وتذكِّرُني أني

لستُ سوى تلكَ الفكرةِ..

هاتوا لي مرآةً

كأساً

تملأني إذ أفرُغُ

وتصفّيني إذ أتعكَّرُ.

عطشَ العطشُ أيا مرآةُ

ويا قارورةُ

يا فُلكُ

ويا شرُفاتُ

ويا مِيزابُ

أيا سَروُ

ويا سَعَفُ

ويا خمرُ

ويا موسيقى!

……………….

……………….

هاتوني يا ناسُ

وهاتيني

هيّا يا مرآةُ

لِديني*…….

……………….

……………….

2021.2.14

عمان

*فعل أمر من الولادة.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *