*أمــــينة شـــرادي
قالت لي والعنف يتطاير من عينيها: المرأة مكانها البيت…العمل ما هو إلا صداع للرأس.
لم اسكت طويلا رغم أن لساني انعقد من هول الدهشة، كيف يعقل أن تهاجم المرأة نفسها بهذا الشكل وبهذه الحدة. قلت لها بنفس الحدة: يا سيدتي، إذا كان هذا رأيك، ما يمنعك الآن من المكوث بالبيت ؟ ترددت قليلا قبل أن تجيبني كأنها فوجئت بسؤالي ثم قالت بنفس العنف: لا أستطيع الآن. ولا يمكننني فعل ذلك. هو فقط مجرد رأي.
مجرد رأي يخرب أجيالا قادمة ويعود بها إلى عصر الظلمات. غريب هذا التحول في سلوكيات المرأة بالذات. كيف صارت عدوة نفسها إلى هذا الحد وتختزل كل وجودها في البيت. أين يكمن الخلل؟ يقولون بأن العلم والمعرفة يرفعان الإنسان إلى القمم ويجعلانه نافعا لنفسه ولوطنه. هل هذه المقولة صارت متجاوزة الآن؟ أم أن العلم الموجود غير نافع؟ والله لشيء يحير العقل. إذا كان رأي الرجل، سوف لا نلومه بهذا الشكل بل سنحاربه لأنه يمثل العقل الذكوري الرافض لتواجد المرأة إلى جانبه في جميع المجالات المتنورة والمنفتحة على الإنتاج والثقافة والقيادة والتسيير..ولأنه لا يحب أن يراها إلا على الفراش. لكن أعيد وأسأل، ولو أن السؤال أحيانا يبدو دون جدوى أمام هذا المد الرجعي الذي يريد أن يعيد المرأة إلى عصر الحريم. لماذا تفكر المرأة بهذا الشكل؟ لماذا تحن إلى عصر ولى كانت فيه فقط جسدا لا تمتلكه؟ والخطير في الأمر، أنها سيدة متعلمة؟ أم أن التعليم المغربي متجاوز بمناهجه وإستراتيجيته التي تنبني على قاعدة تقسيم الأدوار؟ أم في البيت الذي يسوده منطق رجولي في كل شيء وما المرأة سوى أنثى تلد وتربي بمنطق رجولي لا يؤمن بالمساواة الفعلية والحقيقية؟ أم ..أم… سؤال آخر، من يربي في البيت؟ المرأة أم الرجل؟ من خلال مجتمعنا المغربي، التربية موكلة إلى المرأة بامتياز وتعيد إنتاج قرارات السلطة العليا المتمثلة في الأعراف والتقاليد. المرأة عبارة عن مكتبة أعراف وتقاليد متنقلة من جيل إلى جيل. والرجل يراقب عن بعد هل المهمة تمشي حسب العادات والتقاليد أم لا. يعني أن المرأة هي التي تعمل بهمة ونشاط على تمرير كل الأدوار المتعارف عليها في المجتمع ولا يحق للمرأة الأخرى التي رفضت لعبة تقسيم الأدوار أن ترفع صوتها حتى لا تشوش على عملية إعادة الإنتاج. لماذا ترفض المرأة أن ترى الأخرى مختلفة عنها؟ يجب أن تكون نسخة منها حتى لا تندثر عملية الاستنساخ. الرجل يخونها وتقول لابأس انه رجل؟؟ لكن اللوم والعتاب على التي كانت معه؟ كأن الرجل قاصر لا يلام على أفعاله وسلوكياته. ومن هنا نعود إلى البداية، في البدء، كانت التربية التي تقول بان الولد مالك القرار وصاحب الأفعال ولا يحاسب. والبنت، تابعة وصامتة وضعيفة ومتهمة…في الحقيقة، أريد أن أفهم المرأة، أنا أرى بأن المرأة المغربية هي النواة الحقيقية للأسرة. وهي العاملة والمناضلة …لم تصل بعد إلى درجة الإنسان . لأنها محاربة في كل الجهات ، في الشارع ، في البيت، في العمل…تناضل وتمشي إلى الأمام، ترفض أن تنظر إلى الوراء لكن لا تسامح جسدها وفكرها وروحها إذا ما حدث خلل في الأسرة. لأنها رضعت منذ كانت طفلة تتعلم المشي، أنها هي كل شيء ولا تساوي شيئا. انها المسؤولة عن أسرتها وغير مسؤولة عن أسرتها. ثنائية تكبر مع الطفلة وتصير جزءا من كيانها إلى درجة الذوبان والانصهار التام، ومن تم يحرم السؤال الذي يهدف إلى خلخلة المسكوت عنه وإن حصل وسقط سهوا، تنعث بالرذيلة والشيطانة من طرف ذاتها النائمة بين ضلوعها.» البيت حماية للمرأة من عنف الشارع ؟» دفعتها من فمها دفعا كأنها ترفض الهزيمة التي أعلنتها عليها ونقبت في ذاكرتها الرجولية عن عصا تستند عليها.استغربت وابتسمت وكتمت غضبي الذي انفجر من عيني، وقلت لها بشكل حضاري: يا سيدتي الفاضلة، هل تقرئين الجرائد؟ أجابت والنصر يهلل من ملامحها:لا. أعدت وسألت بنفس السلوك الحضاري: سيدتي، هل تتابعين الأخبار الوطنية؟ نادرا. ازدادت ثقة بنفسها. وأعدت وسألت: هل تتابعين البرامج الحوارية التي تشرح الواقع المغربي؟ ضحكت بشكل هستيري كأنها سجلت هدفا في آخر لحظة من عمر المباراة وقالت: انه صداع الرأس. لا يفيد.هنا رفعت صوتي بشكل حضاري دائما وقلت: يا سيدتي، أنت لا تقرئين الجرائد،لا تتابعين الأخبار، ولا تتابعين البرامج الحوارية…أنت خارج التغطية وتعيشين في عصر مظلم لا تري فيه سوى ذاتك المنغلقة. ألا تعلمين يا سيدتي، بأن العنف الزوجي أكبر وأخطر..و تعيشه هذه المرأة التي تطلبين منها العودة إلى البيت من أجل الحماية. ألا تعلمين يا سيدتي، بأن المرأة في البيت، تعنف بشكل واضح وتظل آثار الضرب بادية على وجهها وتخفيه بيدها وتجد له مبررات حتى لا يغضب الزوج ولا تثور المرأة الأخرى التي تطلب منها أن تستمر في الصمت وتقول لها»ما كاين باس. الرجل هو هذاك؟» الشارع يا سيدتي، ملك للجميع، ومن أجل حماية المرأة بشكل صحيح، يجب أن نربي الولد في التربية الأولى ونلقنه أبجديات السلوك الحضاري المتمدن المبني على احترام الآخر بغض النظر عن جنسه ودينه ولونه. تربية الولد هو مفتاح تطور سلوكنا وتحضره. لأنني ألاحظ بأن الولد في مجتمعنا، يعيش حالة «سيبة» مطلقة. لا محاسب ولا رقيب. في البيت، يعيش امتيازات تقسيم الأدوار ويمارس عنفه الطفولي الرجولي المبارك من طرف أمه المرأة على أخته المرأة الأخرى. في المدرسة، لا يحاسب على سلوكه ولا على لباسه ، بتزكية من إدارة المؤسسة التي يديرها رجل آخر وامرأة أخرى ومن طرف المناهج المدرسية التي ترفض التغيير وتحاول قدر الإمكان الإبقاء على ممتلكاتها كاملة. ويأتي الشارع، هو رجل «فحل» يصول ويجول… يتحرش بكل حرية ويعلن انتصاراته النسائية كدليل على فحولته التي لا تقهر. يغتصب ويدير ظهره فهو الذي رضع في طفولته على أنه الولد الذي لا يحاسب ولا يعاقب ولا يراقب وكل من في البيت يصفق له، والمرأة الأخرى هي الشعوذة والرذيلة والمصيبة والعار…. حل بيننا صمت القبور، نادى عليها أحد المسؤولين بالمؤسسة بأن تلتحق بالقسم الذي ستراقبه خلال هذه الفترة الصباحية.
_______
قاصة مغربية/القدس العربي