د. أحمد القاسمي
تُقيم السينما حيث يوجد المدهش والفريد، وليس في الثقافة اليابانية أكثر قدرة على الإدهاش أو تفردا من شريعة الساموراي، لهذا تمثل أفلامها ملتقى لعدة أنماط سينمائية كأفلام الحركة أو أفلام الحرب أو الأفلام التاريخية أو أفلام الجوسسة. ويجتذب ثراؤها جمهورا عريضا متعدد الأذواق، ويطعم عين المتفرّج الشرهة ولائمَ بصرية باذخة، فتضطلع بدور ثقافي بارز، وتُعرّف بالهوية اليابانية باعتبارها خاصية محلية ذات مخزون ثقافي مُكثف.
ولهذه الشريعة تاريخ حافل طويل يصل إلى الفترة الوسيطة من تاريخ اليابان الإقطاعية (أي إلى فترة “هيان” الواقعة بين عامي 794 و1185)، لكن الساموراي لم يصلوا إلى ذروة الرقي الاجتماعي إلا في فترة “إيدو” بين العامين (1603 و1867)، وتقتضي قيمهم أن يعيش المحاربون حياتهم وفقا لمبادئ أخلاقية صارمة كالولاء المطلق للمعلم والانضباط والسلوك المحترم.
ومن شرائعهم الأخلاقية الصارمة الإمساك بالشخص المطلوب وعرض رأسه مقطوعا ضمن حفل لنيل المكافأة، وهذا موضع مفارقة لما في سلّم القيم هذه من العنف والوحشية، أما إذا ما كان أصحابها من الأفراد البارزين فيكتسب النصر قيمة مضاعفة ويُجزَل العطاء، وعندما يتعسّر على المقاتل جمع الرؤوس المقطوعة وحملها، يكتفي بسلخ وجوهها، أو بقطع أنوفها لإثبات هوية أصحابها في حفل الفحص، رغم اعتبارها من ركائز شريعة الساموراي الأخلاقية.
أفلام الساموراي.. عَصَب السينما اليابانية
يصنِّف مؤرخو السينما اليابانية أفلامها إلى صنفين، ففضلا عن الدراما المعاصرة، تُمثل الدراما التاريخية التي تتناول حقبة “الإيدو” صنفا قائم الذات يحظى بجاذبية فريدة، فقد استقطب نحو 40% من مجموع الإنتاج السينمائي في فترة السبعينيات من القرن الماضي، وكانت أفلام الساموراي من أهمها، فكانت هذه الأفلام تنزع إلى الكوميديا خاصة، وتبتعد عن معالجة الواقع في المرحلة السابقة للحرب العالمية الثانية.
ثم اختفت تقريبا خلال احتلال الحلفاء لليابان بين سنتي (1945 و1952)، بعد أن منعت أفلام الولاء للإقطاعيين التي تؤيد الانتحار بشكل مباشر أو ضمني بفعل العمليات الانتحارية الموجعة، فقد كان الجيش الياباني يقوم بها لضرب القوات الأمريكية، لكن ما فتئت أن عادت بقوة بداية من منتصف خمسينيات القرن الماضي إثر إخراج فيلم “الساموراي السبعة” (1954) خاصّة، وهو الفيلم الذي يعتبر إلى اليوم النموذج الأرقى الذي بلغته سينما الساموراي.
“الساموراي السبعة”.. معركة الفرسان النبلاء لحماية القرية
يعتبر فيلم “الساموراي السبعة” اقتباسا للواقع من درجة ثانية، فأحداثه حقيقية جدا على نحو ما في سالف تاريخ اليابان، وقد اقتبسها المسرح، ومنه عبر بها المخرج “أكيرا كوروساوا” إلى عالم السينما، فشكّل من التاريخ والحرب والحركة أثرا بات يُنظر إليه باعتباره من أفضل الآثار السينمائية على مدار تاريخ هذا الفن.
تدور أحداث الفيلم عن نقاش يُقرر إثره مزارعون الاستعانة بخدمات فرسان “الساموراي” لحماية محصولهم من فرسان “الرونين” الذين تحولوا إلى لصوص وقطّاع طرق، حيث يقتنع الساموراي “كامبيي” أولا بمهمة الدفاع عن القرية وتدريب رجالها، ويستقطب لها بقية الساموراي، فتقع المعركة العنيفة المُنتظرة في نهاية الفيلم ويُقضى على العصابة، ويلقى أربعة من الساموراي حتفهم كذلك.
وتدين سينما الساموراي -وفق الباحثين- في جماليات السينما للمخرج “كوروساوا”، فقد ارتقى بها من صنف الأفلام الشعبية التجارية الرخيصة، إلى مصاف الفن الأصيل الذي يحظى بتقدير النقّاد والجمهور على حد سواء، فقطع حبل الأسلوب المتكلف والحكايات الخارجة عن المألوف، وصوّر المعارك بطريقة واقعية عنيفة، ومنح الأثر عمقا فلسفيا.
ميزان النقد.. إنصاف متأخر لأفلام الساموراي
لقد أبدى النقد الياباني تحفظه حول فيلم “الساموراي السبعة” في البداية، مما أثار جدلا كبيرا، فاليابانيون المتحمسون لأصالتهم وجدوه غربيا، وافتقدوا فيه المشاهد البطولية التي تتغنى بحروب أسلافهم وتمجدها، وعلى خلافهم وجده دعاة السلام يحسم الأمور عبر المعارك والقتال، فيحثّ على العنف، أما الماركسيون فوجدوه مسيئا للطبقة العاملة المطحونة.
ورغم ذلك فقد حظي بترحيب عالمي لاحقا، فشرح النقاد فلسفته وتوسعوا في دراسة أبعاده الرمزية التي اختزلتها الباحثة “جون ميلين” بالقول: لقد فاز فرسان الساموراي بالمعركة، لكنهم خسروا الحرب”. وبالفعل فاحتفاء “كوروساوا” بعناصر القوة في الماضي الياباني كان بمثابة تأبين لهذا التاريخ واستفاضة في ذكر محاسنه التي كانت لتمثل النهاية تسليما بضرورة تحرك اليابان نحو السلام في سياق عالمي جديد.
وكان عرض هذا الفيلم فاتحة لظهور طائفة من أفلام الساموراي المميزة التي نالت التقدير العالمي مثل فيلم “سانجيرو” (1962) للمخرج نفسه، أو فيلم “هراكيري” (1962) للمخرج “ماساكي كوباياشي”، أو الفيلم الوثائقي “ميفين.. الساموراي الأخير” (2015).
أفلام رعاة البقر.. ساموراي بنكهة أمريكية
تسري بشدة أطروحة نقدية ترى أن أفلام “الساموراي” هي النظير الياباني لأفلام “رعاة البقر” الأمريكية، ولا تخلو هذه الفرضية من بعض الوجاهة، فبين النمطين الكثير من الأشباه والنظائر.
إن المنجزين السينمائيين كليهما عاد منذ بدايات العشرينيات إلى التاريخ المحلي وأساطيره التي صيغت حول أبطال خارقين، ويعبر بها إلى الشاشة الفضية، فيجسّد شره السينما إلى المغامرات القائمة على الصدام العنيف بين السكان الأصليين (شعب الإيدو، سكان اليابان الأصليين والساموراي، أو الهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين ورعاة البقر) حتى تشد الجمهور الواسع.
فقد ذيعت حكايات الساموراي في الأدب الشفوي الياباني المحتفي بملاحم الأبطال الخارقين منذ أزمنة، ومنه انتقلت إلى الأدب المكتوب فالمسرح، وعلى النحو نفسه ظهر أدب رعاة البقر خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر من خلال الروايات الشعبية التي تسرد مغامرات شخصيات حقيقية، مثل “جيسي جيمس” و”بيلي ذاكيد” و”وايد بيل هيكوك”، وفق موسوعة ألفا للسينما.
وبعد الحرب الأهلية انتشر مربو الماشية في سهول تكساس في أواخر القرن التاسع عشر، وكان الرعاة يسوقون قطعان الماشية في مسارات طويلة خاصة بعد مدّ الخطوط الحديدية بين تكساس وكاليفورنيا، لذلك تدور أغلب أفلامهم بطريقة معلنة أو من خلال الديكورات بين السنتين (1865 و1890).
وهكذا تحول “الكاوبوي” (راعي البقر) إلى شخصية أسطورية وروح حُرّة تعتمد على حصانها وسلاحها، وتواجه ما يُحيط بها من الأخطار بشجاعة تصل حدّ الفظاظة والعنف، ثم جسّد السيرك شخصية البطل الأبيض وهو ينقذ امرأة اختطفها الهنود ومنحه دور الخيّر الذي يواجه الأشرار، ويرسم الخط الفاصل بين المدنية والمجتمع المستقر والعالم المتوحش. ومن الطبيعي أن تجلب هذه الحكايات المثيرة التي تلتقي فيها الحركة بالتاريخ وبالنخوة والمشهدية المخرجين، وأن تسيل لعاب المستثمرين في قطاعها رغم عمقها العنصري.
ظلال الثقافة.. تشابه الأنماط وتباين المصائر
رغم التشابه بين نمط الساموراي وأفلام رعاة البقر، فإنه لا يمكن التسليم بهذه الأطروحة كاملة، خاصة في اعتقادها بكون أفلام رعاة البقر تمثل أصلا يَضبط وفقه السينمائي الياباني إيقاعه، فلئن مثّل الساموراي الخضوع للمنظومة القيمية في السينما اليابانية، وكرّس حياته للتدريب الجيد، وأخلص لسيده في استقامة وإنكار للذات، وعمل في شكل جماعي؛ فإنّ راعي البقر جسّد النزعة الفردية المتمرّدة.
ومقابل احتراف “الساموراي” استخدام السيوف بمهارة وخفة، فقد تفنن راعي البقر في استعمال المسدسات، إذ كان للموروث الثقافي في رسم البطل هنا وهناك وقعه، فظاهرة الساموراي متأصلة في الحياة اليابانية، لذلك استطاعت أن تقاوم الزمن، ولم تفقد طرافتها بكثرة الاقتباس، أما رعاة البقر فمثّلوا ظاهرة عابرة في التاريخ الأمريكي، لذلك سريعا ما ابتذلت صورتهم وفقدت بريقها.
ولعلّ القول بتبادل التأثير بين النمطين، وبين السينما اليابانية والسينما الغربية عامة أقرب إلى الموضوعية، فتأثير السينما النمطية الأمريكية في بناء هذه الأفلام بيّن، وبالمقابل تأثر المخرج “جون سترجيس” الصريح بــ”الساموراي السبعة” في فيلم “العظماء السبعة” (1960) إخراج الأمريكي إدوار زويك لفيلم “الساموراي الأخير” (2003) مقتبسا وقائع جدت في الحرب الأهلية اليابانية سنة 1877 خير دليل على ذلك.
“ماراثون الساموراي”.. عودة إلى تاريخ حرب العشائر
يعود فيلم “ماراثون الساموراي” (2019) للمخرج البريطاني “برنار روز” إلى التاريخ الياباني ليقتبس منه مادته، فيسعفه بوقائع حرب دارت بين عشيرتين في اليابان سنة 1855 بسبب معلومة مغلوطة. فقد اعتقد الجاسوس “جيناني كاراساوا” أن عشيرة “أناكا” ستشنّ حربا على عشيرته “الشوغن”، لما كانت تستعد لسباق ماراثون تحسّن به جاهزية جيشها.
لقد سبق السيف العذل، ولم يعد باستطاعته تدارك الموقف، فيستغل رجال “الشوغن” العشيرة المنخرطة في تجارة التهريب التي تحظرها التقاليد اليابانية حالة الإرهاق التي عليها ساموراي أناكا و”سلاح السلام” الأمريكي في هجوم غادر يهدف إلى إبادة أكبر عدد ممكن من الخصوم.
ذهنية السينما اليابانية.. صراع الحداثة والأصالة
يعرض الفيلم صورة لليابان لحظة اصطدام نزعتين، وتدفع الأولى منهما إلى الحداثة وإلى الانفتاح على العالم الخارجي، فهذا قائد “الشوغن” يستقبل الوفد الأمريكي الذي يزور “الأيدو” مُحمّلا بالهدايا، ومعلنا عزم الولايات المتحدة على إرساء تعاون مثمر بين البلدين خدمة للسلام، وتكشف الكاميرا مظاهر دالة منها آلة تصوير فوتوغرافي وصور لنساء عراة ومسدسان من عيار 45 ودنان من خمور ويسكي معتقة يزيد عمرها عن ربع قرن.
وهذه الأميرة “يوكي” ابنة القائد الإقطاعي ترسم الموانئ والسفن الراسية باعتماد التقنيات الغربية، تعبيرا عن حلمها باكتشاف الحياة ما وراء المحيط الهادي.
أما النزعة الثانية فتميل إلى الانطواء على الذات للحفاظ على أصالة اليابان، وعلى تصورها للمجتمع وللحياة. ويصرّح صوت السارد بموقف الفيلم من هذا التقارب الياباني الأمريكي، فيردّ مدينا لانبهار “الشوغن” بما اعتبره غزوا خارجيا، ويقود القائد الإقطاعي هذا الاتجاه، فحالما يعلم برغبة ابنته الدفينة، يحرق رسوماتها ويمنعها من السفر إلى الولايات المتحدة. فـ”لا يوجد هناك سوى المتوحشين ذوي الشعر الأحمر”، ثم يستعجل بزواجها من “كوجيرو”؛ أحد المقاتلين الساموراي.
ويتسرب هذا الهاجس إلى أحلامه، فتكشف له الرؤيا “هياكو سان” قائد مقاتلي “الشوغن” وهو يهاجمه بالمسدس -سلاح السلام- المُهدى من الولايات المتحدة الأمريكية، وتمثل الحدث القادح الذي يوعز له بتجهيز مقاتليه من الساموراي تحسبا لما يمكن أن يطرأ.
سباق الماراثون.. رمزية صراع القيم في المجتمع الياباني
تصور المعالجة الجمالية في فيلم “ماراثون الساموراي” مجتمع الساموراي، فترصد انحرافات تضر بقيمه الأصيلة التي ظلّ يعتنقها لقرون طويلة، وتجعل من الماراثون رحلة في الذات بحثا عن تجديد القيم أكثر مما هو رحلة في المكان بحثا عن انتصار عابر.
فقد كان السباق فرصة ليكتشف المقاتلون فجأة ما لحقهم من تدهور جسدي وروحي، فقد غدوا متثاقلين عاجزين عن الركض مستسلمين للخمول والدعة. لذلك يلجأ قائدهم “كوجيرو” إلى الخداع، فيطلب من مساعديه حمله على الأكتاف والركض به حتى يدّخر طاقته لنهاية السباق، وذلك بعد أن خاب سعيه في ترهيب “أوسوغي هيرونوشي” العدّاء السريع المرشح الأول للفوز والرافض لمحاولات الرشوة.
يكشف المحاربون أثناء الركض أنّ “أوكي ساوا” كان يرغم جميع نظرائه على تقديم الهدايا ليحظوا بالترقيات، فكان مجتمع الساموراي صورة مصغرة للمجتمع الياباني الذي بات يسوده التخاذل والفساد والزيف. لكن لم تخلُ القصة من بارقة أمل، فـ”ماتمون” المطرود من الخدمة لشيخوخته يُدرّب الطفل “ميتوسكي” ليجعله محارب ساموراي ناجحا وفاء لذكرى والده المقاتل الذائع الصيت الذي توفي وابنه صبي في المهد. ويتحدى هذا الصبي سنه فيشارك بدوره في السباق، ويبذل الوسع من الجهد ويرافق الصبي ليدركا معا خط الوصول. فكان بذلك ضامنا لاستمرار القيم الأصيلة مقاوما لزوالها.
ويتحول السباق إلى مواجهة دامية مع “الشوغن”، لكنها رغم قسوتها لا تمنعهم من مواصلة السباق، فيكون إدراكهم لخط الوصول تنافسيا ينال فيه “أوسوغي هيرونوشي” انتصار الجدارة والفوز على الفساد ومحاولات شراء الذمم، ويكون وصوله متزامنا مع احتجاز قائد مقاتي الشوغن “هياكو سان” لـ”كاتسواكيرا إيتاكورا” السيد الإقطاعي، وإذا رؤياه تكاد تتحول إلى حقيقة.
ومع وصوله تنطلق سهام المقاتلين فتُصوب من مختلف الاتجاهات بالمهارة نفسها لتنقذ السيد، ولتعيد للساموراي توهجه ونبله وخاصيته الأبرز، وهي التفاني في الدفاع عن السيد والعشيرة، ولتنقي القيم مما أصابها من الزيف.
أما على الصعيد الرمزي، فليس غريبا أن يجد اليابانيون في هذا السباق المتحقق تاريخيا نظيرا للماراثون الإغريقي، ورمزا للتضحية من أجل المجموعة. فقد كان في الركض بذل للجسد في سبيل المجموعة كما بذل “فيديبيدس اليوناني” جسده في سبيل أثينا، فقد جعل يركض إثر المعركة بين اليونانيين والفرس (490 ق.م) من منطقة ماراثون باليونان إلى أثينا لمسافة تزيد عن أربعين كيلومترا، ليخبر أهلها بالانتصار في المعركة، وبعد أن بلّغهم الرسالة قضى نحبه من شدة الإجهاد.
فلسفة الساموراي.. انتصار السيف على المسدس
يمثل سباق الماراثون إذن القسم الأبرز من أحداث فيلم “ماراثون الساموراي”، فيبدأ مع مطلع الدقيقة 49 ويستمر حتى اللحظات الأخيرة من العرض، أي أنه يستغرق نصف الوقت تقريبا، ليكون تجسيدا لفلسفة القائد “كاتسواكيرا إيتاكورا” المؤمنة بضرورة اليقظة المستمرة، وضرورة تدريب العقول والأجساد، حتى تكون وفية لصورة الساموراي المثالية التي مدارها على التصرف النبيل والانضباط والوفاء والاستعداد للتضحية بالجسد في سبيل إدراك النصر.
ويدسّ المخرج هذه الرسائل ضمن مسارات من الإثارة والتشويق، فهذه الأميرة “يوكي” تتحدى والدها وتعمل على التخلص من زواج مفروض عليها، فتتنكر في زي ساموراي، وتنتحل اسم “إتاناما كوما”، لتشارك في السباق عساها تتجاوز نقطة التفتيش وتهرب خارج البلاد، فتشد المتفرّج إلى مغامرتها بدءا من تنكرها إلى مكابدتها في السباق ثم اكتشاف أمرها في المعبر، مرورا بنجاتها من هجوم “الشوغن” بالأسلحة النارية، وهربها رغم إصابتها برصاصة في الكتف، وصولا إلى إنقاذها من قبل “جيناني كاراساوا”، وهو الجاسوس الذي يسعى إلى التكفير عن ذنبه، ويعد أن تسبب برعونته وتسرعه في حرب ظالمة على العشيرة التي احتضنتها وجعلته أحد مقاتليها.
وللإثارة مصدر ثان في هذا الماراثون، فالسباق يتحوّل فجأة إلى قتال شديد يخوّل للمخرج تضمين المشاهد الحربية التي ترضي فضول متفرّج متطلع للمواجهات العنيفة، ورسم لوحات من الخفة والمهارة في استعمال السيف، ولا تخلو هذه المواجهات من المشاهد الفظيعة، فتعتمد أحدث المؤثرات لعرض الرؤوس المتطايرة وزخات الدم النازف وفاء للصورة المرسومة للساموراي في المخيال الشعبي وفي المصادر التاريخية.
ولأن الفيلم ينتصر إلى النزعة المحافظة ويدافع عنها؛ يتحول العرض إلى مدح للسيف مقارنة بالمسدس، فمن ميزات مقاتل الساموراي الخفة والشجاعة والمهارة والقوة والإقدام، أما حامل المسدس فلا معوّل له على غير قوة التكنولوجيا، لذلك يبدو “سلاح السلام” الأمريكي جهازا حقيرا مزيّفا للحقائق، يمنح القوة للجبناء، ويوزع القتل عبر رصاصات مفاجئة لا تمنح للمقاتل شرف القتال، وإنما خِسّة الغدر.
هجرة “يوكي”.. رحلة لمواجهة الأحمر المتوحش
مثلما نرى عالم الساموراي من خلال عدسة المخرج البريطاني “برنار روز”، ندركُ عدسة الرجل من خلال مادة فيلمه، فنستطلع عينا أجنبية تتملى بإعجاب منجز هذا الأرخبيل، حيث التطور الاقتصادي والتقني الكبيرين رغم التدمير بعد الحرب العالمية الثانية والاحتلال الأمريكي.
ولا نلمس ذلك في مجريات الحكاية التي تمنح الأميرة “يوكي” فرصة السفر لتكتشف العالم الآخر بعد أن تجعلها ممتلئة بذاتها وبأصولها، وبعد أن تمنحها مباركة أهلها وثقتهم من قدرتها على ملاعبة هذا الأحمر المتوحش فحسب، وإنما نلمسه خاصة في أسلوب التصوير. فكثيرا ما تتحول الصورة إلى ما يشبه رسومات الطبيعة الصامتة التي تتأمل البهاء الإلهي المودّع في الطبيعة، وكأنها تدعو إلى المحافظة عليها وعلى العالم الياباني الأصيل، وتحذّر من الذوبان في العالم الغربي.
- عن الجزيرة الوثائقية