فائقة قنفالي تسحبُنا إلى العتمة في روايتها الأولى

( ثقافات )

صدرت عن منشورات المتوسط -إيطاليا، الرواية الأولى للكاتبة التونسية فائقة قنفالي؛ حملت عنوان: “أتبعكِ إلى العتمة”. وقد تكون أوَّل رواية عربية تتناولُ – كموضوع أساس لها – ظاهرةَ تصفيحِ البنات في العالم العربي.

تُجرَح البنتُ في سنٍّ مبكِّرة في ركبتها أو فخذها سبعةَ جروحٍ صغيرة، تسبِقُها تعويذةٌ سحريةٌ، لتكون بمثابةِ قُفلٍ على فرجها، إذ لا يُمكن لأحدٍ أن يفُضَّ بكارةَ فتاةٍ مُصفَّحة حتى يوم زواجها. طقسٌ اجتماعيٌّ مسكوتٌ عنه في المجتمع التونسي، نتتبَّع أثاره النفسية في شخصيةِ “شمس”، التي يغيبُ صوتُها، وتذوبُ ملامحها في حكاياتِ الآخرين عنها؛ القابلة، الأخ، الكلب، الأب، وصديقة طفولتها، وصولًا إلى طبيبها النَّفسي في مصحة الأمراض العقلية. معاناةٌ لا تقلُّ عن كونها فاجعة في مجتمع ذكوريِّ يبرِّر الظاهرة باسم الشَّرف والعادات والتقاليد.

اختارتْ الكاتبةٌ طريقةً سرديَّة ذكِّية تعتمدُ على تناوب الأصوات، في غياب صوتِ الضَّحية، الذي لا يظهرُ إلَّا في آخر الرواية. أفكار سوداويَّة، مونولوج داخلي، ورسائل لا تصل إلى أحد. كلُّ ذلك، داخل نسقٍ سرديٍّ اتسعت فيه رقعةُ الدَّم، من جرحٍ صغيرٍ في الركبة، إلى آخر أكبر في الذاكرة.

“أتبعكِ إلى العتمة”، وثيقةُ إدانةٍ، وكتابةٌ أخرى عن معاناةِ المرأة، في علاقتها بجسدها والمجتمع، وقد أضاءت الكاتبة فائقة قنفالي بروايتها الأولى هذه، شيئًا من تلك العتمة!

أخيراً جاء الكتاب 104 في صفحات من القطع الوسط.

مقطع من الكتاب:

عزيزي الله،

أُعلِمُكَ أنّي توقَّفتُ اليوم عن حُبِّكَ نهائيَّاً.

ماذا كان يُكلِّفكَ لو أنّكَ كتبتَ لابنتي طريقاً آخر غير الموت؟! ماذا كنتُ سأُكلِّف الحياةَ لو أني تذوَّقتُ طَعْم النور مرَّةً واحدة؟!

هل تعتقد أن الحياة التي منحتَني إيَّاها تستحقُّ أن تُعاش بعد الآن؟ إن كنتَ تعتبر أنها هبة، وأنّه عليَّ أن أشعر بالامتنان لكَ فقط، لأنكَ وهبتَني إيَّاها، أُذكِّرُكَ أنّكَ لوَّنتَها بالأسود، وحكمتَ عليَّ بلعنة عشق الألوان!

حياتي التي بدأت برفض أُمِّي لي، وبرفض جسدي لي، وبرفض ابنتي لي، أنا الآن أرفضها، وأتخلَّى عنها نهائيَّاً، وبكامل إرادتي. فخُذْها بسلام، يا رحيم.

إذا كان يجب على أحد ما أن يموتَ، فلماذا ابنتي دون سواها؟!

منذُ زمن وأنا أفكِّر في هذا، لكنْ، هناك مَنْ يُنقذني، ابنتي كانت ستُنقذ روحي إلى الأبد، لكنكَ أخذتَها، ها أنا أسير معها.

قَدَري الذي بدأ بمشرط، ها أنا أُنهيه بمشرط. ابنتي تتهاوى، كما سقط أبناء كُثُر، لم يستطيعوا التَّمسُّك بي.

عن الكاتبة:

فائقة قنفالي؛ كاتبة تونسية مواليد 1986، في مدينة تالة بتونس، تعمل حاليًا أستاذة للفلسفة، وقد صدر لها مجموعة قصصية “الطيران بجناح آخر” 2015. تحصلت على عديد الجوائز الوطنية في القصّة القصيرة منها الجائزة الأولى لمعرض الكتاب الدولي بتونس سنة 2010.

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *