“مدمنة مع وقف التنفيذ” لـرجاء بطارسة: تجربة شخصية في ترويض النفس

(ثقافات)

تقدّم رجاء بطارسة في كتابها الصادر حديثًا “مدمنة مع وقف التنفيذ” تفاصيل تجربتها الشخصية مع فلسفة “التعفف الروحاني”، التي لجأت إليها بعد سنوات طويلة عانت خلالها من مشكلة السمنة الناتجة عن إدمانها على الطعام، وجرَّبت كل الحلول المتاحة دون أن تظفر بنتيجة، حتى اهتدت إلى هذه الفلسفة التي وضعت حدًّا لمعاناتها الطويلة.

وجاء الكتاب الصادر عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان في 403 صفحات من القطع المتوسط، واختيرت لغلافه الأمامي صورة للمؤلفة التُقطت في أخفض بقعة في العالم في البحر الميت وتمثل مرحلة ما بعد تعافيها من الإدمان على الطعام، أما الغلاف الخلفي فوُضعت عليه صورة للمؤلفة قبل رحلة التعافي.

 وتسرد بطارسة في كتابها قصة اهتدائها إلى أحد البرامج التي تعقدها مؤسسة متخصصة بعلاج المدمنين على الطعام في الولايات المتحدة الأمريكية. وتوضح كيفية التحاقها بالبرنامج، وتفاصيل الجلسات اليومية التي انتظمت على مدار أسبوعين في دورتين متعاقبتين، تولّى التدريب فيهما مدربان اثنان كانا في الماضي من مدمني طعام، ثم تعافيا، وشرعا في تدريب المدمنين الآخرين على برنامج التعافي.

وبينت المؤلفة في مقدمة الكتاب أن: “هذا العمل الروائي يعرض تجربتي الشخصيّة في التخلّص من السمنة والتعافي من إدمان الطعام، بعد معاناة امتدّت لأكثر من ثلاثين عاماً، جرّبتُ خلالها شتى الحلول الصحية وغير الصحية للتغلب على صراعي المرير والطويل مع السمنة وإنني أستند في هذا الكتاب إلى المثل الشائع: اسأل مجرّب ولا تسأل حكيم”.

ووضحت للقارئ أنها ليست طبيبة أو مختصة بالتغذية، كما أن عملها هذا ليس وصفة تُقدَّم للمهووسين بالطعام الصحي أو القوام المثالي، وإنما هي تجربة اهتدت خلالها “إلى حل غير مألوف مكّنني ليس فقط من التحرر من وزني الزائد وإدماني على الطعام وخوفي واستيائي من الحياة، ولكن أيضاً من تذوّق طعم السلام والرضا والرضوخ غير المشروط لمشيئة الخالق”.

وسلكت الكاتبة مسلك العمل الروائي في تقديمها لتجربتها هذه؛ ويبدو أنها استغلت موهبتها الأدبية هذه من أجل خدمة عملها وتقريبه من القراء؛ الأمر الذي أضفى على الكتاب مسحة إبداعية جميلة يفتقدها هذا النوع من الكتب في العادة. وتنقلت بين مستويات عدة من اللغة، فاستخدمت اللغة المحكية حينًا، والعربية الفصيحة حينًا؛ فكان الكتاب مشوّقًا، ورسالته قادرة على الوصول بسلاسة إلى القراء على اختلاف مرجعياتهم المعرفية.

وفلسفة التعفف بحسب ما يُستنتج من مجمل العمل تقوم على جعل المتعفف مكتفيًا بما لا يتجاوز حاجته اليومية من الطعام، إنها ليست حرمانًا يُمارس على النفس؛ فالخيارات فيها متنوعة وتكاد تشمل معظم أنواع الطعام المعروفة، لكنها تنزع إلى تهذيب النفس وتحقيق حالة القناعة لديها. وتساعد المتعفف في انتقاء الأطعمة، وتجنبه أنواع الطعام التي تُنشّط هرمونات الإدمان وتعود بالضرر على جسم الإنسان وصحته.

والمتعفف يتسامى بذلك فوق شهواته العاجلة فيضبطها ويوجهها الوجهة الصحيحة، بل قد يصل بها إلى حالة من الزهد وغنى النفس، فيغدو سعيدًا وراضيًا عن نفسه. لذلك حفل الكتاب بالاقتباسات الدينية من آيات قرآنية، وأحاديث نبوية شريفة، ونصوص من الكتاب المقدس، إضافة إلى كلام الحكماء والمصلحين.

ومما ذكرته رجاء بطارسة في آخر فصول الكتاب: “ومنذ دخولي درب التعافي، ولكي أحافظ على ما حظيت به من نعمة إيقاف حكم الإدمان المؤبّد الصادر بحقي، أبذل قُصارى جهدي لتطبيق المبادئ الروحانية السامية والإرشادات السلوكية الفعّالة التي يوصي بها برنامج الاثنتي عشرة خطوة للتعافي من إدمان الطعام. لذا، أحرص على مواصلة اتباع  خطتي الغذائية التعففية بحزم وصرامة. وأواظب على إتمام القراءات اليومية، وممارسة تمارين المطمطة والتنفس والتأمّل، ومناجاة ربّي وتلاوة الأدعية، والتواصل مع زملائي المدمنين، وجرد وتحليل والإفصاح عن المخالفات التي أرتكبها. وتبعاً لذلك، ثبَتَ وزني، وهدأت نفسي، وتخلّصتُ من جميع سلوكياتي المتطرفة والإفراطية. كما أنني لم أكتسب أيّ إدمانات جديدة سوى الإدمان على شكر الله وحبه وطاعته”.

وبينت أن رحلة التعافي مكنتها من اكتشاف أشياء جوهرية تتعلق بإدمانها على الطعام، ومن بينها:

“اكتشاف علمي، ويتلخّص في إدراكي أن سبب إدماني على الطعام وجود خلل في إفراز الدوبامين في دماغي ما يجعلني دائمة الاحتياج للإحساس بالمتعة التي تحققها لي غريزة الأكل.

 واكتشاف عاطفي، ويتلخّص في إدراكي أنني كنت أهاب الإحساس بمشاعري وأفتقر لمهارة التعامل معها.

واكتشاف معنوي وسلوكي، ويتلخّص  في إدراكي أن امتلاكي القدرة على اتخاذ مواقف وقرارات جازمة وقاطعة في حياتي المهنية والعائلية عزز فرصة نجاحي في التعافي.

الرابع، وهو اكتشاف روحاني، ويتلخّص في إدراكي أنني كنت مؤمنة بالله، ولكني لم أكن راضخة لمشيئته أو متقبّلة واقع الحياة”.

وقدمت المؤلفة في نهاية الكتاب تفاصيل مقترحة للخطة الغذائية التعففية، شملت الأيام العادية، وأيام الصيام الرمضاني.

ورجاء بطارسة غنما لديها خبرة 36 سنة في الإدارة والتعليم والتدريب، وسبق أن أصدرت كتاب «أنا والرداء الأصفر»، وكتاب «My Yellow Suit»، وهي مدرّبة معتمدة من مؤسسة ACORN الأمريكية للتعافي من إدمان الطعام، وعضو المجلس الاستشاري لدى «جمعيّة إدمان الطعام في أمريكا».

وقد عقدت مئات الورشات التدريبية في إدارة الإجهاد وتطوير الذات والتعافي من إدمان الطعام في الأردن ولبنان ودبي وأبوظبي ومصر. وأسست برنامج التعافي من إدمان الطعام في الأردن.

وهي المدير العام السابق لمعهد «سايت آند ساوند» للتعليم في الأردن لمدة 18 سنة، وحصلت على بكالوريوس في الأدب الإنجليزي من الجامعة الاردنية.

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *