-
سيف الرحبي
كان الليل ينأى عن مريديه الأثيرين باتجاه الأقاصي، والهاويات التي لا يلملم قطعانَه السود إلا في أنحائها ليأخذ غفوة قبل أن ينتشر في أرجاء الكواكب والمجرات والغيوب.
ليل قطبي البرودة والمزاج، وآخر صحراوي الهاجرة أجردَ بزحفِه الشرس على الكائنات والأشياء والعناصر.
ليل المتصوفة والعشاق يودعونه سرهم بعيداً عن الرقباء والحاسدين. ليل الغنوصيين، والأقوام التي كانت تقدّس الظلام والليل وتعبد الجبال، لأمواج الظلام التي تضطرم وتصخب بغموض أسرارها، في أعماقها الصخريّة العصيّة حتى على الزمان…
الليل نبع الشعر والفلسفة والتأمل في أوجه الخوافي والحقائق الهاربة خلف وعول الغيب، والعناصر والحيوات وقد لفّها الظلام بردائه العميق.
ليل ينزلق بين الصخور الجاثمة والوديان الموحشة بحيواتها النافرة كالجواهر والأسرار الشريدة بين الأزمنة والعصور.
ليل لا يمكن سبر أغواره وطبقاته بمجسّات العلم والهندسة ولا يمكن تشريحه وتهديمه كالأجساد والأمكنة والمواد الأخرى. ولا يمكن تمزيق تماسكه الصلب من فرط تناغمه بطاقة النيران والقنابل والمتفجرات. يمضي وهو محصّن إزاءَ أدوات البشر التدميريّة. انه الأزل وقد تجسّد في صحرائه الأبديّة.
* * *
أم تحمل طفلها بحنان طاغٍ في ليل المقهى المضاء بالنيون. المقهى الواقع أمام محطة القطار، مقهى المسافرين، والغرباء والمقيمين. جلستُ فيه منذ عقود وها أنت في اللحظة بنفس الكراسي والطاولات والردهات المتلألئة باللوحات والألوان والأشكال المتداخلة كأرواح مريديه الذين رحلوا وفرقتهم أنواء الحياة وربما جرفهم الموت والمصائر والمسافات. كنا حين الليل أمواجَ أشباحه وبرده القارس، نلجأ إلى المقهى، يلجأ الغرباء إلى المقاهي ومن لا يمتلك حداً أدنى من المال يلجأ إلى محطات المترو والقطار، لينال دفء الظلام في تلك الأغوار والأحشاء الأرضية التي تمتلئ بالصفير والزئير، بالنحيب والأحلام المحطمة.
حفظنا مقاهي المدن والبلدات في القارات المختلفة، بمداخلها الأمامية والخلقية وبمخارجها، ردهاتها المعتمة ونصف المضاءة المنعزلة عن الجمْع الصاخب، للراغب في النأي والكتابة والتأمل، أو القرفان الذي لا يريد الاختلاط والحديث… مقاهي تتناسل في الواقع والخيال في اليقظة والنوم، راقية ملفّعة بنعم الحضارة والمعمار البديع المشرق، والكابية البائسة مثل المكان الذي قذفته الصدفة فيه، من مقهى (زهرة الدقي) وريش وعلي بابا، في القاهرة إلى مقهى اللوتس في الجزائر، وباليما في الرباط، مقهى الروضة والنافورة وساحة النجمة في الشام. الهورس شو والمودكا والوينبي في بيروت. مقاهي شارع أبي نواس.. حتى كلني والبيري جوردين وغيرها الكثير الكثير… كنا نعرفها أكثر من معرفة غرفنا الغارقة في البؤس والغموض، والعابرة، التي لا نغشاها إلا للنوم والراحة بعد أن يهدنا تعب المدينة واللهاث ونكون على مشارف الانهيار. لتكون تلك الهجعَة، التجديد الضروري الحتمي، لنبدأ دورة اليوم الثاني بوتيرة أقوى وأكثر حيوية من أجل هدف ما أو من غيره، لا فرق، فدورة الحياة تواصل اندفاعها العبثي والجمالي على رغم ضيق ما في اليد وضآلة المورد إن وُجد فهو متقطّع وغير قار، سيكون الإفلاس طيرك الأليف. والتضامن بين الغرباء ما زال موجوداً تقتضيه طبيعة هذا النوع من الحياة المترحلة.
يحدث أحياناً أن تنعدم أي فرصة ماديّة تؤهل لشرب فنجان قهوة، فنظلّ نحوم على المقاهي والمطاعم والمحلات. من يمتلك حس المغامرة في الاختراق والجلوس والسرقة البريئة سيقضي يومه وليله، اعتياديا مطمئنا، وإلا فليطوي على عوز وجوع، حتى الماء يعز أحيانا في البلاد المتحضّرة، حيث إن دخول الحمام على الأرجح له تسعيرته الخاصة.
صديق عزيز حين تداهمه هذه الواقعة من الإفلاس وينفض من حوله هباءً في أفق ليل المدينة الشتوي العنيف، تنفجر فكرة في رأسه، إلحاح ضرورة الحياة ومواصلتها حيث يدخل القطار المتجه إلى بلجيكا على سبيل المثال. وبما أنه يمتلك مراساً طويلاً وخبرة قاسية في التحايل على المواقف، من تذاكر وغيرها، يستمر في القطار حتى يبلغ الحدود المرسومة بين البلدين ويعود أدراجه إلى المدينة نائماً مرتاحاً حليق الذقن لامع الحذاء، بحيث أنه حين يدلف المقهى في الصباح، كأنما نام في منزل وثير مترف، هو الذي لا يعرف منزلاً أو غرفة يأوي إليها، في ذلك الزمان، عراء المدينة وقلوب الأصدقاء، كانا ملاذه ومسكنه.
* * *
الليل الممطر بغزارة وسخاء كأنما السماء تسفح دموع البشر والحيوان منذ وجودهما على هذا الكوكب. ليل ممطر، ناعم رهيف ومتوعد مخيف. الساكنة ترفع المظلات بألوان وأشكال مختلفة، الساكنة المتدفقة إلى المقاهي والمطاعم والساحات، بعد قليل تندفع إلى البيوت والملاذات. المظلات ومارة تجري مسرعة، ثمة مشهد في أحد أفلام هيتشكوك، لموكب مظلات متفجر بالهواجس والريبة.
الأشجار العارية في الحدائق والغابات والشوارع الكبيرة والأزقة تستقبل مدرار المطر بفرح غامض يلفّعه حزن الشتاء الذي سيخلي المكان بعد قليل لقدوم الربيع والنماء الموْرق والاخضرار، أشجار الشتاء والخريف لا تخبئ شيئا إنها الحقيقة عارية في مغيب المطر والصحو.. الحقيقة المتشظية إلى أوراق ساقطة وأغصان وجذوع عارية تواجه المطر والريح العاصفة والمجهول. مجهول الليل القادم الذي بدأت طلائع أعاصيره في الصفير كنذير يترى ويتقدّم غامراً الأنهار والشوارع والعمران حتى مخابئ البشر في الحانات والأزقة والمغاور لا تنجو من الوعيد والخوف والريبة.
ليل المطر والعاصفة والبشر الذين تتحول أفراحهم إلى تكهنات ومخاوف وربما انهيارات.
ليل بربري الوجهة والمزاج..
* * *
ليل الشاحنات، سائقو الشاحنات في تلاطم المسافات المظلمة الوعرة الموحشة أيما وحشة، وسط الخطر الداهم من كل الجهات يوجهون كتل الحديد والعجلات الضخمة، صوب الوجهة البعيدة، ناقلين البضائع والمنافع التي يتبادلها البشر وفق الحاجة والطلب وسط الزوابع المتنقلة التي قد تتحول إلى عواصف مدارية وأعاصير يسوقون الشاحنات. ثمة عطل هنا أو انفجار عجلة وتوقف محرك، وسط المطر العاصف والغبار. وحين تشتد الوحشة الليلية بالسائقين يتبادلون الأحاديث البذيئة والنكات من النوافذ والأبواب. أو يفتحون الراديو على أهازيج وأغانٍ شعبية حفظوها منذ الصبا والطفولة، ويأخذون في ترديدها وترجيعها بنشوة وعذوبة تبدد عزلة الليل الانتحارية الدامية. يحدقون في صور العائلة والأطفال التي علقوها أمامهم كتعويذة تقيهم مفاجآت الأخطار والحوادث، وتكبح جموحهم إلى السرعة وتجاوز حدود السياقة اللائقة في مثل هذه الظروف. ربما مروا في طريقهم على مجازر وحوادث وحشية ارتطاماً وانهياراً لزملاء عرفوهم عن قرب أو لم يعرفوهم. إنها حرب السائقين والآلة الجامحة الثقيلة والطرقات الطويلة. من أجل كسب الرزق، والعيش الكريم وتربية الأطفال.
ليل السجناء والمجلودين تحملهم شاحنات الليل الشديد القسوة والوحدة والظلمة الكاسرة.
لا يعرفون وجهتهم وإلى أين يذهب بهم جلادوهم، معصوبو العيون والوجوه، ترتجف أعضاؤهم وترتعش، كما ترتعش أفخاذ الذبيحة بعد فصل عنقها، يظل يرتجف لحمُها المُدمى، أو مثل رقصة الديك المذبوح بعد ذبحه.
ليل المحكومين بالإعدام، في هذه الفسحة المحشورة في شاحنات الليل والألم والموت، هل يسعفهم الزمن والذاكرة في استحضار شيء من ماضٍ مضى وانقرض، عن طفولة لم تكن لأحد، عن هنيهة حب غارق في السديم والضباب.
هل تعبرهم رغبة في شيء ما من هذه الحياة الآفلة، هل يودون الاعتراف أو لقاء كائن بعينه، صلة رحم أو صداقة ماضٍ مشترك أو صاحب النفوذ لينفجروا صرخةَ مظلومين تهز مجلس الحاكم وتهز عرش الكون.
الشاحنات تمخر عُباب الظلمة الوحشية وتحث الخطى والعجلات نحو وجهتها المجهولة الراعبة.
* * *
في الزمن الماضي في تلك البلاد النائية في الذاكرة والزمن والتاريخ، كانت هناك بضع شاحنات تمخر ليل الواحات الجبلية والبلدات المبعثرة بين الجبال والتلال والمنعطفات الكهفية بظلامها الغزير، ظلامها المحتدم كأنه تجمع أجيال من الظلمات تكدّست، وانتشرت وتراكمت في هذه البقاع التي نسيتها العناية، ونسيها الزمان.
شاحنات قليلة تحمل بضائع المؤونة لسد رمق الساكنة الموزعة في ذلك السديم الوحشي، وتحمل البشر على ظهرها المحدودب بفعل الحمولة الثقيلة، حيث أبسط حركة توقف مفاجئة، كأن يعترض سيرها حمار، أو جمل أو أي حيوان تائه في تلك البرية الشاسعة المقفرة، يفر الركاب من أماكنهم وترتطم الأجساد ويعلو الصراخ، وإذا لم يسقط أحد منهم فوق الصخور المسنّنة، فلا بد من رضوض وجروح وارتجاجات يصنعها الخوف أكثر من الارتطام. ولأن الصمت الجنائزي وسط ذلك الليل المحتشد بالهوام والأشباح، يسمع أهل القرى والواحات من البشر والحيوانات، صوت الشاحنة ويصغون السمع برهافة وترقب باحثين عن مصدره الموزع في الأرجاء وبين الصخور العاتية، حتى ينبلج ضوء خافت من جهة ما، يقترب ويتعالى بسطوعه، كما يتعالى صوت الشاحنة الذي يشبه الحنين المخنوق.
* * *
في إحدى حانات بغداد، حين ينزل الليل بكلكله، يدلف (س) إلى الركن المعتم من المكان الصاخب بالويترية وقناني العرق والأقداح مختلطاً بغناء أم كلثوم، وناظم الغزالي وزهور حسين ذلك النواح الكربلائي الذي لا ينقطع عبر الزمن والفناء. أم كلثوم على المحل، في صورة جداريّة تصافح عبر (الفوتومونتناج) صاحب الحانة من فرط إعجابه بعالمها الشاسع.
المهم أن (س) يجلس في مقعده المعهود يجرع العرق المسيّح من غير كلل ولا وقفات، انقضاض جمل برّحته الهاجرة والعطش على نبع ماء في قلب الصحراء…. وحين يأزف وقت إغلاق المحل لأبوابه التي يستأنف فتحها في اليوم التالي، ويرحل آخر السكرجيّة، يبقى (س) من غير حراك في مقعده الذي يشبه الكنبة، ثم يتهاوى بقامته على طولها وشخيره يغمر الحانة ويتسلل إلى أرجاء الحارة البغدادية وقد غرقت في ليل نومها العميق. هكذا حتى اليوم التالي ويأتي الويترية لإيقاظه، يأخذ كؤوس التوازن التي يسميها العراقيون (كسر خماريّة) والمغاربة (تحيّيد التمن). ومن ثم يذهب إلى شأنه حتى ينزل المساء بمرساته الثقيلة ويعاود (س) سيرته اليومية التي اعتادها واعتاد عليها آخرون.
* * *
كتائب الليل الدامس تتوافد على المدن تحمل أنباء الأعاصير والجوائح القادمة.. ألهذا شبّه (الحديث الشريف) الفتن بقطع الليل المظلم التي تفترس في طريقها كل إنسان وطفل وشجرة وعلامة حياة.
الفتن والحروب حين تنزل على الأقوام نزول الصواعق الليلية الماحقة، تكون أعظم ابتلاء وبشاعة على بني البشر، على القيَم الانسانية والجمالية والأخلاقية. كما هو موجود على أرض العرب خاصة، حيث تفترس الوحوش الهمجية المطلقة السراح والشر موغلة في ليل الانحطاط والقذارة والغدر.
الجرائم دائما في الأدب والنص الشعبي والخرافة، يرتبط ارتكابها بالليل والظلمة التي تحمي وتموه المجرم والجريمة، تحت جنح الليل تسري كتائب القتل والإبادة، وتحت جنْحه تُحاك الدسائس والمؤامرات حتى حين تكون الجريمة أو الحرب التي هي بلا ريب ذروة الجرائم وخلاصاتها المكثفة، تحت جنح النهار وفي ضوئه الساطع، يستحيل إلى ليل وظلام وغبار كقول بشار بن برد:
(كأنّ مثار النقع فوق رؤوسنا
وأسيافنا ليل تهاوى كواكُبه)
في هذا الطقس الملحمي المظلم للجرائم والفتن، التي تسوّقها أنظمتها وعصاباتها ينغمس فيه الجميع قطعاناً إلى الذبح بصناعة أيديها وأدواتها وذكائها ذكاء المجرم في التخطيط المحكم لإنجاز أفعاله بأقصى درجات الضراوة والخسّة.
في مثل هذا المناخ المدلهم، يبقى أفراد معدودون لا يصغون إلا إلى ذلك الانبجاس الخفي لحياة غير مرئية، لتفتح زهرة في ليل نشوتها السرية، لغناء طائر يعبر المضيق، لأرواح وحيدة تتنزه في الحدائق والكتب، لامرأة عاشقة تنحني أمام صورة حبها الراحل، لغيمة تُنزل ماءَها ليطفئ عطش الحقول.
* * *
كان على طاولة الإفطار الصباحي، يفكر مع تصاعد روائح القهوة الزكية المتناغمة على نحو هارموني مدهش مع غناء وحركة الجرسونة الأسبانية الفتيّة، ألا يذهب هذا اليوم إلى الحديقة الكبيرة التي تشبه الغابة، وأن يأخذ الاتجاه العكسي نحو حديقة (الهايكو) الصغيرة المكثفة التي تتوسطها نافورة مزنرة بتمثال (فينوس) آلهة الجمال عند الإغريق، وأن يذهب باتجاه النهر القريب.. لكنه وهو يخطو خارج النزل، وجد نفسه محمولاً للسير باتجاه الحديقة الكبيرة، محمولا بفعل قوة غامضة تتمثل في رجليه اللتين تقودانه عكس إرادته …. ها هي وظيفة أخرى أكثر حسماً تضطلع بها الرجلان. ليس حمل هذا الجسد الذي صدعته السنوات والذكريات فحسب، بل التفكير وأخذ المبادرة أو خطفها من العضو المختص منذ بداية دبيب الكائن البشري على الأرض.
لماذا أعطى فلاسفة اليد الأهمية الأكثر حسماً، إلياس كابتني على سبيل المثال، ولم تُولِ الرجل ما تستحقه إمكاناتها المفتوحة على التعدد والاجتهاد؟
الحديقة أو الغابة ملفعة بليلها حتى في ذروة النهار، حين تكون السحب والغيوم متدافعة في سمائها، كثيفة ومحتدمة حتى الانفجار الوشيك. تخلع معاطف وأردية ظلال ليلية قاتمة على الأشجار والنباتات والسواقي وعلى كل الحيوات والتماثيل التي تستحيل أشباحاً ترقص الفلامنكو، في أرجاء قارتها التي بدأ المطر يخضّب أرواحها بنضارة متجددة..
من الطبيعي أن يكون ليل نهار الحديقة والغابة أقل وحشةً ودجنةً.. انه ليل مُستعار من كوكب آخر من طبيعة أخرى. أما حين يندمج ليل الاستعارة بليل الطبيعة الذي يعقب النهار والمغيب فتكون هذه القارة السوداء محتشدة بكل ما هو سري وجاثم وخطير.
* * *
ليل الأقفال الحالمة على جسر الفنون، أقفال المحبين والذين أضناهم الهوى والحنين، تُرى بماذا تحلم في ليالي الشتاء القاسي، وقد ضرجها بأرواح الذين رحلوا من غير عودة، تركوا أسماءهم وجملاً ضاربة في الشعر والهيام تخليداً لذكرى عبرت قلوبهم الهائمة في الآفاق.
هذا العام تقلصت الأقفال أعدادها ومساحتها كما تقلص الحب هارباً من عالم الأرقام والأزرار التدميرية، جراح المحبين ولوعتهم، هارباً إلى عالم النيازك والنجوم.
لكن النهر الكبير يجري متدفقا عبر الأجيال، حاملاً معه الشعر والجمال وأسماء المحبين المجهولة وقد اختزلتها ذاكرته الشاسعة في الليل والزمان.
هل الزمن يشبه النهر أم النهر يشبه الزمن تلك مسألة تعود إلى هيرقليطس وإلى الارجنتيني المبصر في ليل العمى والمياه…
* * *
ليل الحديقة والورود البرية في تفتحاتها الأولى بغفلة عن العالم وصخَبه. تفتحات الطبيعة في وثبة صحْوها وإشراقها على الروح العطشى إلى الجمال والحرية. بغفلة عن العالم تمارس طقسها السري لإمداد شجرة البهاء بغصن جديد وشجرة النعمة وهي تستقبل ربيعاً جديداً في فصولها المتعاقبة.
* * *
الغرباء يعبرون في ليل الحديقة. النشوة الغامضة والخطوة المتعثرة بين الأكمات، بصمت يعبرون وبعيون زائغة بالغياب صوت الأفق تحدق الأبصارُ والأفئدة، كأنما تبحث عن الكنز الذي طمرته السنون والضباب، عن الحبيب والولد والقرين، عن مرابع طواها النسيان، بعد أن حملها النسر بين جناحيه إلى حيث لا عودة ولا أثر يشطح نحوه الهذيان والحنين.
* * *
يبحث النسر عن بيوضه في ظلام الغابة المحتشد، في الأعالي والسفوح جيئة وذهاباً يدخل في هياج وجنون، بعد أن فقد الخيط الذي يقوده إلى عش أفراخه وسكناه.
القطاة أكثر فطنةً وبصيرة، تهتدي إلى عشها حتى في الظلمات المتلاطمة بالرعود والمطر في ليل الغابة الرهيب.
-
عن نزوى العمانية –