ليل “الزعتري”


إيهاب الشلبي *

(1)
لا وردةٌ في «الزعتري»
تَهَبُ الحياةَ له
من أين جاء الاسمُ
يحملُ نكهةَ العشبِ النَّدِيِّ
وأُلفةَ الأخضرْ؟
تساءلَ طفلُها
وسُعالُهُ يرتَجُّ في الصحراءِ
دمعةُ أمِّهِ سَقَطَتْ تُدَفِّئُ وجنتيهِ
ولم تُجِبْ
لكنها ضمّته أكثرْ.

(2)
الوقتُ يحصدُ قمحَنا المهجورَ
في «درعا»
وشمسُ «الزعتري»
تهوي على رئةِ المخيم باللهبْ
نقتاتُ ذُلَّ شَتاتنا
والليلُ يشربُ
من عواءِ الريح وحشتَهُ هنا
فننامُ..
ملءُ عيوننا أرقٌ
وملءُ قلوبنا
ظمأٌ.. تعبْ.

(3)
ليلُ المخيَّمِ
جاثمٌ فوق القلوب برعبِهِ
مااااااا أطولَه.
وَسَطَ الخِيامِ المستَبِدَّةِ بالأُناسِ المُرهَقين
تَكَسَّرَتْ وتَكَوَّمَتْ أحلامُهم
كانت هناكَ صبيةٌ
لم تُكمِل العشرين من أزهارها
تجتاحُ بؤسَ «الزعتريِّ».. جفافَهُ وقُحولَتَهْ
وترُشُّ نعنعَ حُلْمِها
المزروعَ
في «أرض الديار»
بماءِ عينيها
وبالقُبَلِ النَّديَّةِ.. والوَلَهْ.

(4)
في «الزعتريّ»
يبكي الرجال
يتقاسمون عذابَهم
رجلٌ يموتُ مُكَبَّلاً بجراحِهِ
رجلٌ يقرِّرُ أن يعودَ..
إلى السماء
كي لا يموتَ مُعَلَّقاً في البالْ
وفتىً على بابِ الرُّجولةِ
لم يكد يَخْطو
إلى عَتَبَاتِ مَدْرَجِها
يُخبِّئُ حُلْمَهُ
عن شاشةِ الوقتِ المُعَفَّرِ بالرمالْ
واللَّيلُ طالْ.

(5)
جَلَسَتْ
على أنقاضِ خيمتِها التي انطفأتْ
بفعلِ الريحِ والإعصارْ
جَلَسَ الصِّغارُ بلا أبٍ حانٍ
حواليها
بلا قوتٍ
بلا ماءٍ
وكانَ البردُ يشويهم
ويَقرُصُهم صقيعُ النَّار
هناكَ على حوافِ «الزعتري»
من غير أن يدري
تَعَمْشَق ياسَمينُ الشامِ أعمدةَ الجحيمِ
وأيبسَ النّوَّارْ.

(6)
يا ليتَ لي.. يا ليتْ..
يا ليت لي بيتاً
لأمنحَهُ لعائلةٍ
قضت أقدارُها السوداءُ
أن تنساقَ نحو «الزعتري»
فترى هناك بأُمِّ عينيها
جهنَّمَ..
تكتوي موتاً يعيشُ
برغمِ أنفِ الموتْ.

* شاعر من الأردن

( الرأي الثقافي )

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *