- بسمة المرواني
1- الحريةُ نمط وجودٍ يعيد تشكيل كينونة الكائن.
ان كان الانسان حسب سارتر “محكوم عليه بأن يكون حرا فهذا يعني أن على كل إنسان، من منطلق المفهوم المطلق لحرّيته، إعادة اكتشاف قيمه الخاصة؛ الأمر الذي يحمَّله أقصى درجات المسؤولية الأخلاقية.فقد سبقه جلال الدين الرومي في كتابه – المثنوي – المنظومة الصوفية الفلسفية العظيمة،والذي ضمن -حكاية شائقة من الحكايات الناطقة بالحكمة، والمتلألئة بالبصيرة المُلهمة،عن الحرية كنمط وجودٍ يعيد تشكيل كينونة الكائن، ويتسامى بها إلى الحد الذي يجعل الحياة ترتسم له بصورةٍ باهرة وذلك في قصة الببغاء واذلاله وكيف كان الببغاءُ يتلهف على الحرية في سجنه المظلم، واستعباده في القفص، الحريةُ التى هي نمط وجودٍ يعيد تشكيل كينونة الكائن، ويتسامى بها إلى الحد الذي يجعل الحياة ترتسم له بصورةٍ باهرة.
وان حاول بعضُهم تأويل سجن الببغاء بسجن الجسد للروح؛ فاني أراهُ سجناً للجسد قبل الروح، لأن كل سجنٍ استعباد، وسجنُ الجسد ينخر الروح ويجرحها، فتظل تنزف حتى تتبدد طاقتُها وتنضب.
رسم جلال الدين صورةً مفجعة، للغم الذي كان يعيشه الببغاءُ على إثر شُعوره بالإستعباد بافتكاك حريته ، ويصف غمّه بشجن مُلتاع، عندما يتحدث على لسان الببغاء السجين بتوقه إلى الطيران لما في الكلمة من رمزية الطموح وتحقيق الامال ورؤية العالم من علو و برفعة وهي كلها تتمثل في مظاهر الحرية حيث استحضر ما قاله ، مخاطبا رفاقه من الببغاوات الحرة في الغابات من محبسه:
**اأيليق أن أُسلم الروح شوقاً إليكم، وأموت هنا مفترقاً عنكم؟
وهل يجوز أن أكون أسير القيد الثقيل، وأنتم حيناً فوق المُروج، وحيناً على الأشجار؟!
وهل يكون هكذا وفاءُ الأصدقاء؟
أنا في هذا الحبس، وأنتم في حديقة الورد؟ ألا فلتذكُروا -أيها الكِرام- ذلك الطائر الذليل، بِصبُوحٍ بين المُروج!
فما أسعد الخليل إذا ذكره خُلّانه… فيا من تُنادمون مِلاحكم الفاتنات الحِسان!”.
هذه حكايةٌ ، تتضمن تفاصيل وحكماً متنوعة، أورَدها جلالُ الدين في المثنوي، بأسلوبه الباهر في إنشاء الحكايات.
وراء تفاصيلها، ووقوفا على محطات الحوار الشجية فيها بين الببغاء وصاحبه تحليل سيكولوجي للتضاد في الطبيعة البشرية، ومفارقات سلوك الإنسان، الذي هو في الوقت الذي يحُب فيه الببغاء، يسجنه في القفص، ولا يكترث لأنينه وزفراته، التي لا تهدأ من عذاب الإستعباد ومراراته.
أيضاً حُب الإنسان ينطوي على مفارقة.
فهو في الوقت الذي يُحب فيه، لا يكتفي بالحُب، بل قد يعمل على الإستحواذ والتملّك.
والإستحواذ والتملّك، يَؤولان إلى الإستعباد. الإنسانُ لا يتنبّه على ما ينطوي عليه سلوكُه هذا من تضاد، لأن الطبيعة البشرية مُلتقى الأضداد.
وذلك ما يقود الإنسان إلى مُفارقات غريبة في مواقفه وسلوكه، إذ قلّما نجد إنساناً يتخلص بشكلٍ تامٍ من الإزدواجية والمواقف المتضادة في أقواله وأفعاله.
إن الإستعباد لا يُطيقه حتى الحيوان، عندما يستنزفه الشعور بأنه صار ضحية إذلالٍ وامتهان وإهانة.
فكيف يكون حالُ الإنسان العاقل، الذي تُشكّل العواطف والمشاعر رصيداً أساسياً في كيانه، إن كان ضحية إستعبادٍ يهتك كرامته ويمزّق كيانه الداخلي
2-الشر: المعنى الباطن في الانسان
يعرّج بن الرومي ايضا على على افعال البشر الذين يحتكمون للاذى في قولته ( كم من إبليس له وجه آدم، فلا تمدنّ يدك إلى كل يد ) وكأنه يحاكي زمننا الديستوبي فالبشر – لا يتخلصون من إستعدادٍ لفعل الشر، الذي لا يخلو من لُؤمٍ وخبث أحياناً، مترسبا في أعماقهم.، فالاخ صار بمنأى عن أخيه وأخته وعن أمه التى انجبته وهذا نوع من الاذى النفسي،انقطعت أواصر المحبة الصادقة في قلوب الابناء للاباء فيهجرون ويهاجرون او يتناسون حق الاب الذي يبحث ايضا عن من يهدهده بهدهدات هادئة تطرد عنه أشباح الخذلان كي ينام بسلام حتى حين؛ انماط من البؤس في العلاقات المحملة بالريا ء والدنس في السلوكات رياء ولاء غل ،حقد …قيظ الصبابة في المقل وافعال الشر بالايذاء وتبريرها بفعل القوة والسلطة والنفوذ والغرور وغيرها من المسميات ويتناسون أن الرفعة وصورتها تكون للأفلاك، لكن معناها يكون للأرواح الطاهرة.كما ورد في الجزء الاول من الكتاب .
فالارواح الرهيفة تخشى الاذى ،تخشى الشر وتأتي الكلمات مَبحوحة فلا تُصبّ إلا في خانةِ الـ التناهيد
إنها أشعة الشمس التي لا تحجبها كل الغرابيل الواهية، ، إنها الحقيقة الثرثارة التي نهذي بصراحتها كتمتمات صلوات العجائز، الكذبة التي يثقبون بها البالونات المنفوخة زوراً وبهتاناً غافلين عن _البشر شر_ و قد تكون فعلا مرنّة عجينة كلمات شيطان الحرف، نصنع منها سلاليم متحرّكة تأخذنا في رحلة عن عالم الحيوان فهو كائنٌ يخلو من الشر فالمفترس عندما يشبع ، لا يفترس الحيوانات الأخرى، ولا يهتم لوجوده حولها، ولا يتحرّش بها.
وذلك ما يدعو برأيي الناس في زمننا -الذين لا يطيقون الوحدة- إلى تفضيل الحيوان على البشر للعيش بمعيتهم، لشعورهم بالأمان التام مع الحيوانات الأليفة فيفضلون استضافة الطيور والبلابل والببغاوات والقطط، وغيرها من الحيوانات الأليفة، لتعيش معهم تحت سقفٍ واحد، يُنفقون عليها، ويهتمون بطعامها ونظافتها وتطبيبها .
مع مولانا الرومي رحلات متنوعة في قُدس المعرفة ، وادراك الغاية النهائية نحو انجذابنا الباطني إلى مدارات الله ونحو أنسنتنا واجمل رحلة مع المثنوي حيث الحديث عن الحب / الوجود ؛ الثنائية الفنائية الساحقة / الصاعقة في المنظور المولوي والامتداد نحو الخلاقيّة الأولى ، المطلق مجاله الأوحد ، والغياب في محراب الفناء الكامل.