رسائل الاسكندر إلى أمّه لم تُنشر من قبل

ثقافات – مرزوق الحلبي

1.

لا تصدّقي يا أمّي

أنني فتحتُ الهندَ والسندَ

وأن الممالكَ سلّمتني أعناقَها

ولُغاتها،

عندما يخافُ الناس يصيرون كراتٍ

يركُلها الوقتُ

2.

كِبارُ القادة يربّون جبروتهم،

باسمي

وثرواتهم،

باسمي

والعساكر تقاتل وتفتكُ،

باسمي

والجنود يقتلون ويخربّون المزارعَ،

ومناحلَ العسلِ

باسمي

ويقودون السبايا إلى خيامِهم،

باسمي

والأمّهاتُ يُخفن أطفالهنّ كي يناموا،

باسمي

والذين يخونون أوطانهم،

باسمي

ولم أشهرْ سيفيَ منذ سنة!

3.

أعرفُ يا أمّي أنني عندما أذهبُ في خلوتي

تنصرفُ العساكرُ إلى الخرائِطِ

تدبّر لأنفسها غنائم لا تُورثها لأحد

فصلّي كي يُغفر لهمْ

4.

أعملُ بوصيّتكِ

أوزّعُ غنائمَ الجنودِ على الأسرى

وأصرفُ لكلِّ أسيرٍ خمسينَ درهمًا

وموكبًا يُرافقه إلى قلبِ أمّه

5.

عندما أحضروا السبايا إلى خيمَتي

أشعلتُ فيها النارَ

وأطحتُ بكبير الحرسِ

ليس قبل أن يُعيد لكلِّ سبيّة خلخالَها

لا يُصنعُ مجدٌ من ضفائرِ السبايا ـ

صحتُ فيهم

وقطعت الليلَ بسيفي

هم في ضفّة، وأنا في الضفّة الأخرى

6.

سلّموني مفاتيح مُدنِهم وقالوا كلامًا طيّبًا

دخَلَ الملوكُتحتّ رايتي

وتناولوا بنهمٍ ما أعدّه الطُهاةُ

انحنى لي رهبانُ الأديرةِ التي صعدتُها

وتمتموا

انغرست صبايا الأرضِ على جانبيِ الطّريقِ

يعرضن صدورهنّوماء الوردِ

كلّ الذين أخضعتهم

لا يُحبونني يا أمّي

وإن رأيتهم لي ساجدين!

7.

عندما صرفتُ حاملي الهدايا

إلى ضياعِهم

وحاملي الأبنوسَ إلى حواضِرِهم

لم يصدّقوني

أومأتُ إلى سيْفي

فصدّقوه

8.

ليس في الوجودِ مستبدٌّ عادلٌ،

واحدٌ

هيَ حيلةُ اللغةِ

لوصفِ مقتلةٍ هنا ومجزرةٍ هناك

هيَ قُدرةِ اللغةِ على العبثِبأعدادِ الضحايا

وأعمارِهم،

في السجّلاتِ

هي اللغةُتنكّل بجثَثِ العالمينَ

وتُهدي المآثرَ للسلاطين

10.

أيقنتُ أنني لستُ إمامَ الزمانِ

ولا سيّد اللغةِ التي أنجبتني

أنا الأسيرُ

وأنت شفيعتي

والعسكرُ تجرّهم الخيولُ صاهِلةً

وتجرّني

11.

سيأتون بي إليكِ في يومِ الجُمعةِ

المحتومِ

فإذا رأيتِ يدي مدلّاة خارجَ التابوتِ

لا تردّيها،

فهي وصيّتي!

(نيسان 2020)

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. محمود سعيد روائي عراقي

    رائعة يا مرزوق
    اشد على يدك، وأقبل أصابعك
    ليت كل دكتاتور يقرؤها، ويفكر فيها ليدرك أنه هو أول ضحية للغرور والعدوان
    محمود سعيد. روائي عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *