قرية بوتيرو.. الإنسان سر الوجود الأعظم

خاص – ثقافات

تتحدث قصص المجموعة القصصية«قرية بوتيرو» للكاتبة التونسية لمياء نويرة بوكيل، الاثنتا عشرة الصادرة عن “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان تقع في مئة وأربع وأربعين صفحة من القطع المتوسط، في مجملها عن قضايا تختصُّ بالإنسان، من حيث هو عالم غني بالتفاصيل، ويمكن أن تستوعب كينونته مزيداً من الإسقاطات الاجتماعية والفلسفية التي حفلت بها المجموعة.

ولعل أحد الأفكار الرئيسية التي يمكن أن تصف العمل دون أن تقيده بحدودها، هي فكرة أن الإنسان هو سر الوجود الأعظم. هذه الفكرة تصادف القارئ في أكثر من مكان داخل هذه المجموعة القصصية البديعة. بل ربما كانت السلكَ الناظم لحبّاتها، الذي أطلّ على روح الإنسان من زوايا عدّة: من اتصاله بالكائنات، ومن عنفوان الأمومة، ومن امتزاج المتناقضات داخله، ومن حق الأنثى في الوصاية على جسدها وعلى مصيرها كله، ومن مستقبله في عالم يسحق ملامحه، ومن حيث هو آدمي لا يحجب إنسانيته لون أو عرق أو معتقد.

ثم؛ من حيث هو نبض كوني تستجيب له عناصر الوجود إن هو أخلص نيته وكان صاحب إيمان وإرادة. لقد قاتل طائر الكوليبري الصغير حريقاً هائلاً بمنقاره الصغير فاستجابت له السماء وعمّت أرضَه بالنعيم. وفي حكمة أيوب تجلّت قدرة الإنسان على الإخضاع، بعكس بوتيرو الذي أخصبت روحُه حتى تولّد من ثرائها عوالمُ وكائنات.

ولعل مما ميز المجموعة كذلك اللغة القديرة المسبوكة بعناية بالغة، ثم ثقافة الكاتبة الموسوعية التي ظهرت في مواضع عدة منها: رؤيتها الخاصة التي قدمتها بخصوص الفنان الكولومبي المشهور فرناندو بوتيرو، عبر إدراكها لتفاصيل أعماله ومشواره الفني، والاقتباسات المتعددة لشعراء وكتاب عرب وعالميين، التي قدّمت بها لكل قصة من قصصها، فجاء كل اقتباس في مكانه، وحقق الغاية المرجوة منه في خدمة النص وإدخال القارئ في جو العمل، فاقتبست من برانكوشي «انظروا في الأعمال حتّى تروها» ، و من مونتاني «إنّها ليست حركاتي التي أكتبها، إنّه أنا، إنّها ذاتي» ، ومن كافكا «يا لليد الخرقاء التي تأبى أن تنسجم مع كلّ ما أضمره» ، ومن سعيد الكفراوي «إنّ ما تكتبه يشير إليك ويدلّ عليك» ، ومن محمود المسعدي، «ألا قلْ ويلٌ للذين يموتون ولا يُبعثون»، وغيرهم.

يشار إلى أن لمياء نويرة بوكيل هي كاتبة تونسية، تشتغل في سلك التعليم، وتدرّس اللغة العربيّة في المدارس الفرنسيّة في إطار الإلحاق الثقافي. صدر لها في سنة 2018 مجموعة قصصيّة بعنوان “سفر في قبضة اليد”. فازت بالمركز الأوّل في مسابقة صلاح هلال للقصّة القصيرة. وهي عضو في اتحاد الكاتبات المغاربيات/ فرع سوسة. وحازت كذلك مؤخرا على جائزة المركز الثاني في الملتقى الوطني للقصة القصيرة بمدينة مساكن في دورته السادسة عشر

شاهد أيضاً

ما سرّ فشل الرواية العربية في تحقيق مبيعات في الدول الغربية؟

(ثقافات) بمناسبة افتتاح معرض لندن للكتاب 2024: ما سرّ فشل الرواية العربية في تحقيق مبيعات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *