ج. ك. رولينغ: كيف تتعامل مع الفشل

خاص- ثقافات

* زات رانا/ ترجمة: ابراهيم عبدالله العلو

عانت ج.ك.رولينغ قبل كتابة سلسلة هاري بوتر من الاكتئاب السريري.

رجعت في بداية التسعينات إلى المملكة المتحدة لتستقر في سكوتلندا بالقرب من أختها. خلفت وظيفتها التي دامت ثلاث سنوات في البرتغال زواجاً بائساً لم يستمر طويلاً وغادرت البلاد أم عزباء تحمل طفلة حديثة الولادة. كافحت رولينغ طوال السنوات القليلة التالية لتلبية متطلبات الحياة.

ذكرت خلال خطابها أثناء حفل التخرج في جامعة هارفرد كيف كانت” عاطلة عن العمل وأم وحيدة وفقيرة إلى الحد المسموح به في بريطانيا ولكنها لم تكن متشردة.”

اتخذ اكتئابها خلال تلك الفترة انعطافه قاتمة واعتبرت نفسها فاشلة. شعرت بالخذلان والإحباط لدرجة دفعتها للتفكير بالانتحار.

راودتها فكرة سلسلة هاري بوتر قبل عدة سنوات على متن رحلة قطار من مانشستر إلى لندن. كتبت بضعة فصول في البرتغال ولكنها وجدت حافزها في المملكة المتحدة.

انهت رولينغ أول كتابين من السلسلة عندما كانت تعيش على اعانات الضمان الاجتماعي وألهمها مرضها الذهني شخصيات حراس أزكبان demantors   في كتابها الثالث.

يعرف العالم اليوم مكانة الطفل الذي عاش The Boy Who Lived ولكن قلة من الناس تعرف الكفاح الذي سبق ابتداعه والذي يقدم لنا درساً عملياً للغاية.

قد يكون الفشل التام موهناً للعزيمة في الظاهر وقد يحطم الكثيرين. تقدم حالة ج.ك. رولينغ سرداً ثرياً لكيفية تحويل هذا النوع من الفشل إلى فشل عارض باتخاذ الإجراء المناسب. دعنا نلقي نظرة.

الحضيض قاعدة وليس خاتمة Rock-Bottom is a Foundation, Not a Conclusion.

نتوقف عن إدراك الفرص نتيجة للهبوط النفسي نحو الحضيض. نعلق بالهزيمة لدرجة تحول بيننا وبين رؤية انفتاح طريق آخر ونرى حالتنا كخاتمة. ولكنها في الواقع لا تنتهي هناك. يرتبط فعل السقوط بآثار جانبية غريبة وغير متعمدة. التحرر. لدينا الآن قاعدة وهذه القاعدة تحد من الهبوط لأنه لم يعد لدينا المزيد لنخسره.

عاملت رولينغ فشلها كخاتمة في ظل احتدام إحباطها وغياب أي فرصة في الأفق. ارتبط شعورها بالفشل بالقبول التام. لقد آمنت بالحكاية التي سردتها.

تغير ذلك عندما بدأت بالسعي لطلب العون. وأدركت بمرور الوقت أن حالتها المزرية قد تكون أصعب. خلفت فشلها ورائها. امتلكت الآن إمكانية نهوض عظيمة مقابل فرصة ضئيلة للسقوط.

في حالات الفشل التام لا نأبه بآراء الاخرين تجاهنا ولا نضطر لمواجهة ألم يفوق معاناتنا.

نتمكن من تركيز اهتمامنا بإصرار أكبر وبتردد أقل. ونظراً لوجود منصة تحتنا نستطيع السير بوضوح وثقة. مع تدني المخاطر أصبح لدينا حافز يدفعنا للبحث عن المكافأة بقوة أعظم.

لا نتمكن من التفكير بتلك السهولة عندما تهوي روحنا المعنوية إلى أدنى حالاتها. ولا تغادرنا مشاعر الضعف عندما نرغب بدفعها. وهذا حسن. يجب ان تتقبل حقيقة مفادها اما ان تبقى في مكانك او تقرر التحول نحو الأفضل.

القلة ليست شيئاً سيئاً بشكل عام Less is Generally Not a Bad Thing

يضع الفشل قيوداً على امكانياتنا من خلال الضغط على مواردنا.

قد تضطر للبحث عن مورد دخل جديد إذا كنت صاحب عمل وواجهت انخفاضاً في الطلب على سلعتك. ربما تخفض من حجم عملك إلى ان تتمكن من التأقلم مع الوضع الجديد مما يدفعك للعيش بمستوى أدنى من المعتاد.

نعيش في البلدان المتطورة في مجتمعات الوفرة وبعد الاعتياد على هذه الوفرة نقع في فخ التفكير ان القلة تعني الأسوأ ولكن الواقع عكس ذلك في معظم الأحيان.

كلما توفر لنا الكثير وحدث لنا الكثير زادت مصاعب حياتنا حيث يكثر الضجيج ويقل التركيز ونشعر بشلل التفكير.

حلل باري شوارتز Barry Schwartz معظم الابحاث المتعلقة بهذا الموضوع في كتابه مفارقة الاختيار Paradox of Choice   واشار إلى مدى جهلنا بهذا المفهوم وأن الحضارة الحديثة مهووسة بحرية الاختيار ولكن كثرة الخيارات ليست دائماً أمراً طيباً. اثبتت الابحاث مراراً وتكراراً انه كلما تعددت الخيارات أمامنا كلما انخفضت مقدرتنا على القيام بالأفعال.

قد تغذي القيود العمل والبراعة Limitations Can Fuel Work and Resourcefulness

انتجت رولينغ بعد عودتها إلى المملكة المتحدة، بلا عمل أو المقدرة على الكسب، أعمالاً أكثر في السنوات القليلة التالية تفوق ما انتجته طوال السنين التي أوصلتها إلى حياتها الجديدة.

تعزو ذلك إلى الروتين الذي اتبعته في حياتها البسيطة. لم يكن لديها الكثير من العمل. تستيقظ صباحاً وتذهب إلى المقهى. تنام طفلتها في دراجتها وتبدأ هي بالكتابة. تدفع مثل تلك القيود المرء إلى المزيد من البراعة والدهاء. نميل إلى إتباع انماطاً متوفرة ومدمجة في بيئاتنا عندما نملك الكثير. ولا يكون لدينا دافع للنظر أبعد مما هو متوفر أمامنا.

ولكن عند القلة تختلف الحال. إذا اردت الاستمرار بالحركة يجب ان تفكر خارج “الصندوق”. ثمة شيء يدفعك للإبداع الذي يلهب الالهام.

يبسط الفشل الامور ويزيل أي ضجيج زائد. قد تبدو القيود في البداية كعوائق ولكن عندما تحسن استخدامها تحررك وتحفزك وتدفعك للعمل بشكل أفضل.

لا يتم عادة الاعتراف بالأعمال العظيمة مباشرة Great Work Isn`t Always Recognized Right Away

تعتمد احتمالية النجاح على فاعلية الناتج وتناسق الجهود. لا يتعلق الامر بأبداع عمل عظيم فحسب ولكن برغبتنا في الذهاب إلى أبعد مدى من أجله.

أصبحت رولينغ اليوم كاتبة شهيرة على مستوى العالم. ولا يمكن نسب نجاح سلسلة هاري بوتر إلى الحظ. يتفق النقاد على انها كاتبة موهوبة ونشهد نحن على جمال خيالها. ومع ذلك لم يكن من اليسير عليها إقناع الآخرين بموهبتها. وبحسب بعض المصادر رفضت من قبل 12 دار نشر بريطانية وبعد عام من محاولتها الأولى تم الاعتراف بأن كتاب “هاري بوتر وحجر الفيلسوف” يستحق الطباعة.

بيع من كتابها الأول أكثر من 100 مليون نسخة وتقدر مجموع مبيعات السلسلة بـ 400 مليون نسخة واعتبرت السلسلة الأكثر مبيعاً في العالم.

ترتفع احتمالية النجاح مع الإصرار Probability of Success Increase With Persistence

إذا نظرنا إلى الوراء يسهل علينا الاستهزاء بذلك. ولكن هب انها توقفت بعد أول جولة رفض؟ انها فكرة مخيفة ولكنها ليست غير منطقية على أية حال.

ولا يعني ذلك الاستمرار بالدفع إلى الامام رغم الظروف الخارجية. ربما نكون أحياناً دون المستوى المطلوب وربما يكون العائد غير متكافئ مع حجم المخاطرة. يجب أن نملك مؤشرات وموازين للمراجعة. المهم هو الإصرار. ان استيعاب الفشل والرفض صعب للغاية ولكن ان كنت شخصاً عقلانياً وتؤمن بان ما تقدمه يحمل قيمة عليا فإن المحاولة والظهور مرة تلو أخرى هي جزء حساس من استراتيجية النجاح.

يقرر قانون الارقام الكبرى في علم الاحصاء ان عوامل الصدفة تلعب دوراً كبيراً في تحديد الناتج إذا كان حجم العينة صغيراً.

مثلاً إذا قلبت قطعة نقدية مرتين فإن احتمال حصولك على صورة الذيل مرتين ممكن رغم تساوي احتمالات الوجهين ولكن ان قلبت القطعة 200 مرة عندها تكون احتمالية حصولك على نتائج عشوائية منحرفة أقل بكثير.

كل ما يجب عليك معرفته All You Need to Know  

هناك نوعان من الفشل: الفشل المؤقت الذي يحدث خلال أية عملية والذي يقود إلى التقدم والفشل التام الذي يحدث بنسبة أقل ولكنه يغير من نظرتنا لأنفسنا وقد يكون موهناً للعزيمة.

عانت ج.ك. رولينغ من ذلك كله وكابدت المشاق قبل ان تتربع على عرش الكتابة أنجح كاتبة على قيد الحياة. ولم تكن تلك المصاعب من الناحية الذهنية لتختلف كثيراً عما نواجه من حين لآخر.

وهذا ما نتعلمه من قصتها:

1- يحب ان نرى الحضيض كقاعدة لا خاتمة. ومن بين نواتج الفشل الشعور بالتحرر. عندما لا يتبقى مجال للسقوط أكثر تصبح المخاطرة نسبة إلى العائد المحتمل منحرفة. ربما لا نتمكن من رؤية ذلك كفرصة في حالات الألم وخيبات الأمل. حاول رؤيتها فرصة يجب اغتنامها.

2- استخدم العوائق لتغذية الإلهام وسعة الحيلة. تؤلمنا الخسارة الثقيلة لأنها تقيدنا بشكل جزئي وتجبرنا على البدء من جديد والقبول بالقليل. ولحسن الحظ لا يعتبر ذلك سيئاً على الدوام. تعين القيود على إلغاء الضجيج وتدفع للإبداع من خلال توفير بيئة أكثر قابلية لازدهاره.

3- تحكم بالوضع عن طريق رفع احتمالات نجاحك مع الإصرار. يعتمد النجاح على استمرارية الجهد بقدر ما يعتمد على جودة العمل. قد تنتج أعمالاً كثيرة دون اعتراف أحد بها. يتطلب الامر شيئاً أكثر. إنها لعبة أرقام. تحدث إعادة المحاولة مرة تلو أخرى كل الفرق في النهاية.

الفشل جزء من الحياة لا يمكننا الفرار منه. وقد يوقفنا عن التطلع والإنجاز ولكن التحضير النفسي الملائم يلعب دوراً كبيراً في التعامل مع الفشل بمهارة.

ومثلما هو الحال في كثير من أمور العقل: القول أسهل من العمل.

يجب أن تدخل المعركة قبل أن تربحها.

 

شاهد أيضاً

في اليوم العالمي للشعر: كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !

(ثقافات) كمَنْ يَحْرُثُ البَّحْرَ / وَيَكتُبُ فوْقَ المَاء !  هذا ما قاله المكسيكيّ خُوسّيه بَاشِيكُو …

تعليق واحد

  1. سعيد فرحاوي _المغرب

    مقال جيد، عمق الجودة فيه هو نقل تجربة حياة مبدعة ، في تحويل الفشل الى مسار غني للنجاح. كما ان العبرة فيه ان الفشل لم يكن مقياسا لايقاف التطور، بل هو معادل موضوعي قوي يشكل منطلق بداية ايجابية تغير مساعي الشخص المحبط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *