الرواية البوليسية

*محمد حياوي

فوز الروائية الفرنسية فريد فارغاس بجائزة أميرة أستورياس الإسبانية المرموقة والمخصصة للأعمال الروائية الأجنبية المترجمة إلى الإسبانية عن جل أعمالها، أعاد الرواية البوليسية إلى الواجهة، وسلّط ضوءا على نوعٍ روائي مهم وغزير ويحظى بشعبية واسعة في أوروبا والعالم، لكون فارغاس متخصصة بكتابة هذا النوع من الروايات ومن أبرز البارعين فيه، ويطلق الكثيرون على تلك الجائزة تسمية جائزة نوبل الإسبانية، نظرا لأهميتها في إسبانيا والعالم الناطق باللغة الإسبانية.

وتأتي أهمية فوز الروائية الفرنسية فريد فارغاس (ولدت سنة 1957) بالجائزة، من تقدير لجنة التحكيم للرواية البوليسية وروايات الجريمة والألغاز وقصص المحققين الجنائيين الشيقة التي طالما أسرت شريحة واسعة من القرّاء في شتى أنحاء العالم وبمختلف اللغات.

وحسب تلك اللجنة فإن أعمال فارغاس تمزج بين الإثارة والحركة والتحفيز على التفكير، ناهيك عن إيقاع السرد الرشيق المتناغم الذي يجسد الموسيقى المميزة للنثر الفرنسي الجيّد، كما أثنت على القدرة العالية لروايات فارغاس على صعيد منح الرواية البوليسية فرصة جديدة للحياة.

وكرائدة في هذا المجال، تركز فريد فارغاس على قصص الجريمة والتحقيق الجنائي التي تتطلب قدرة كبيرة على ابتكار الألغاز ومحاولة حلّها بواسطة جهود مضنية ومعقدة يقوم بها المحققون الشرطيون بالاستناد إلى جملة من الأدلّة الجنائية والتحقيقات مع الشهود. ويحظى هذا النوع من الروايات في فرنسا بشعبية واهتمام شريحة لا بأس بها من القرّاء، على الرغم من تراجع شعبيته النسبية في العقود الأخيرة لصالح روايات الخيال العلمي، وتخصص له العديد من الجوائز في إنكلترا وفرنسا بالتنسيق مع جمعية كتّاب الجريمة والروايات البوليسية.

وعلى الرغم من منح الجائزة المرموقة هذا العام لكاتبة متخصصة في هذا النوع من الروايات، إلّا أن الجائزة تُمنح عادة للأعمال الأدبية الجيّدة التي تترجم إلى اللغة الإسبانية وتبلغ قيمتها 50 ألف يورو، وسبق أن فاز بها العديد من الروائيين الكبار أمثال ماريو فارغاس يوسا وبول أوستر وفيليب روث.

وتستند الرواية البوليسية إلى جملة من القصص الفرعية المغرقة في الغموض وخيال الجريمة، وتقدم أبطالها في الغالب إما ضحايا جرائم غامضة وإما محققين ومخبرين سريين يتوفرون على كم كبير من الخبرة والتجارب في عملهم المثير، وغالبا ما تكون جرائم القتل أو الاغتيال أو السرقة محركا جوهريا للأحداث. وبدأ هذا النوع من الكتابة في أوروبا منتصف القرن التاسع عشر وأخذ يتمتع بشعبية كبيرة، واشتهر الكثير من أبطاله الخياليين أمثال أوغست دوبين وشيرلوك هولمز، كما استلهمت أعماله لاحقا في الكثير من الأعمال الروائية المعاصرة مثل سلسلة هاري بوتر ونانسي درو وغيرها.

وعلى الرغم من أن بدايات هذا النوع من القصص والروايات، حسب الكثير من النقاد والدارسين، تعود إلى بواكير الأدب العربي القديم، ولا سيّما ألف ليلة وليلة، إلّا أنّه ظل بعيدا عن متناول الكتّاب والروائيين العرب، مع استثناءات بسيطة للغاية. وحسب الناقد والباحث الأميركي روبرت هنري فايفر، فإن أقدم مثال معروف للقصة البوليسية يتجسد في حكاية “التفاحات الثلاث” التي وردت على لسان شهرزاد، عندما يكتشف أحد الصيادين الفقراء صندوقا ثقيلا على شاطئ دجلة ويقرر بيعه إلى الخليفة هارون الرشيد، فيأمر الأخير حرسه بكسره وفتحه، فيكتشف جثة امرأة شابّة موضوعة فيه، ويطلب من وزيره جعفر بن يحيى حلّ لغز الجريمة والعثور على القاتل خلال ثلاثة أيّام أو إعدامه في حال فشله بالمهمة.

وتبدأ القصة بالتداخل الدرامي والتشويق وفكّ الألغاز وتتبع خيوط الجريمة. ووفق هذه الخصائص، يقول فايفر، يمكن اعتبار هذه القصة كنموذج أصلي مبكر للخيال البوليسي.
__________
*العرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *