لولا اختيار الكاتبة بسمة النسور وزيرة في الحكومة الجديدة لما اضطررت إلى الحديث عن التشكيل الوزاري ربما، ومرد الكتابة الأهمية الكبيرة التي تنطوي عليها حقيبة الثقافة وفي هذه المرحلة المرتبكة ثقافيا بين معسكر البندقية كقاطعة طريق والقلم كأداة تنوير وتجديد، وهو ما لا يدركه (العقل العميق) للدولة حتى اليوم؛ فما يزال دولة الدكتور عمر الرزاز، يمارس، بكل براءة، حالة ادعاء التواصل مع “الشعب” من خلال تويتر وفيسبوك، ساعيا إلى إثبات أنه دولة من طراز مختلف، وهو ليس كذلك مطلقا؛ مع الاحترام، فأهم تماهٍ وتطابق له مع أسلافه أنه رئيس معين ولم ينتخبه “الشعب” الحريص على التواصل معه، بضرب الأمثلة الطوباوية والحالمة ناسيا أن “النجوم لا تسرد الحكايات”!
دولة الرئيس وزير راسخ من وزراء الحكومة الفارطة، وقد بصم، أو ربما لم تطلب بصمته، على كوارث السياسات السابقة، وما تغولت فيها على قوت المواطن بصلافة لا مثيل لها ولا أدنى منافسة، ولم يقدم الرزاز في موقعه السابق، ولا الذي قبله، أي تميز أو إنجاز لافت يحمل بصمة تبرر حالة الفرح الهستيري التي استقبله بها الناس! وبيننا أرشيف قرارته في مواقعه المتعددة.
الرزاز، بتوليه ما يتولى وما تولى، واحد من منظومة مغلقة، ومن داخل الصندوق لا من خارجه مطلقا، وعموما فإنه لا يهم الشعب صفاته الشخصية الخاصة به وتكرار أنه مهذب وخلوق وبشوش وخريج هارفرد؛ فالبلاد بحاجة إلى رئيس وزراء منتخب يمتلك الولاية العامة بمعانيها الدستورية الواضحة، لا إلى “عريس لقطة”!
رغم ذلك فلابد من الاعتراف أن الحكومة الجديدة تضم أسماء جديرة بالقبول ولا نقاط سوداء في دفاترها الخاصة ولا العامة، ومن ثم هي أسماء جديرة بالمساندة والدعم، ولا تستحق التشكيك والاستخفاف والتجريح والشتائم.
باختصار بات على شلة من النواب والنقابيين والنشطاء الإسلاميين، ومن يساندهم من الوسط الثقافي الخرب، وقطاع الإعلام المتقاعد، الكف عن ممارساتهم البائسة، ووقف الإساءات الشخصية لأسماء معينة في الحكومة، وأعني هنا، تحديدا حربهم الشعواء ضد وزيرة الثقافة، فقد تجاوزت الأمور حدود الأدب كثيرا، وشطت وخرجت حتى عن تعريف النوايا السيئة، وصار لزاما أن تخرس الألسن التي تردح زورا وبهتانا بتوافه الأمور، وواجب عليها أن تحترم المكانة الإبداعية والتاريخ الناصع للكاتبة بسمة النسور.
ولأن أشاوس وفرسان تلك الحرب القذرة ينطلقون في بغضائهم من فكرة أنهم وكلاء الله في الأرض، وهم من يقرر الصواب من الخطأ، ومن يحدد الحرية الشخصية ونطاقها وتعريفها فإن هذا يؤكد ويستدعي التذكير بأهمية وخطورة وزارة الثقافة التي هي في بلاد العالم المتحضر، أهم وأبعد أثرا من وزارة الدفاع، بل وأهم من منصب رئيس الوزراء نفسه، وفي بلادنا، خصوصا، هي الوزارة المعنية أولا وأخيرا، بتفكيك الخطاب الظلامي، وجبه ثقافة مغول العصر، وإبراز الدور الحقيقي للمثقف ودعم مهمته في التنوير والتجديد، من خلال التركيز على الثقافة كرافعة أولى وأخيرة لتحقيق قيم الحق والخير والجمال، وعليه فإن دور وزارة الثقافة أهم من الجيوش في دحض ترهات التكفير وخرافات عصور الدماء، وفي اعتقادي أن بسمة النسور قادرة على تمثّل حقيقة ما بين يديها، وتعي هذه المهمات جيدا،
إزاء ذلك مطلوب من بسمة النسور أن تتأكد، ثانية، أن منصبها هو (دولة وزيرة الثقافة) وأنها الأهم في الدولة، بحكم هذا الموقع، وأن دور البطولة الحقيقي والإنجاز بانتظارها من خلال تقديم المثل الثقافي الناصع الذي يعني، دون تكلف، أن الكلمة أهم من الرصاصة، ولها في الكفاءات الإبداعية اللافتة من حولها في وزارة الثقافة، خير سند ومعين.
فامض دولتك وكلنا يقين أن وزارة الثقافة في عهدك لن تسير “نحو الوراء” وستتقدم “قبل الأوان بكثير”، ولن يأخذك من روح المبادرة بهرج الوزيرة الأنيقة و”اعتياد الأشياء”!