خاص- ثقافات
*فرح بيبورش
ماري لومونييه Marie Lemonnier وأود لانسولان Aude Lancelin، صحفيتان تخصصتا في الفلسفة، ولهما كتب كثيرة مشتركة غير كتاب “الفلاسفة والحب”، تمتاز كتابتهما بأسلوبها الواضح، أو ما يمكن تسميته بالأدب الصحفي، سهلة وسلسلة وبعيدة عن التعقيد الفلسفي، ويعتبر هذا الكتاب الذي بين أيدينا من أفضل ما كتبتاه، صدر مترجما إلى العربية على يد دينا مندور سنة 2015، عن دار التنوير، ويقع في حوالي 264 صفحة من الحجم المتوسط.
وقع اختيارهما في هذا الكتاب على بعض أشهر الفلاسفة والأدباء في التاريخ، مركزين على الفترة الممتدة من سقراط إلى سيمون دي بوفوار، أي من نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، إلى القرن العشرين ميلادي، حيث عرضتا نظرات فلاسفة متعددين للحب، بل بعض قصصهم الغرامية، ويمكن تقريبهم على النحو الأتي.
-
أفلاطون وأستاذه سقراط Socrate et Platon
افتتح الكتاب بالحديث عن الحب لدى أفلاطون وسقراط، ومبرر الجمع بينهما هو أن الثاني أستاذ للأول وبطل محاورته، إذ هو لم يكتب أي شي، وقد اتسم حديثهما عن الحب بنوع من السمو والتعالي عن ما هو محسوس، في ظل إيمان أفلاطون بوجود عالم يحوي حقائق الأشياء هو عالم المثل، وقد تحدث أفلاطون بشكل صريح عن الحب في “محاورة المأدبة”.
لوكريتيوس Lucrèce
فيلسوف وشاعر روماني ولد نحو عام 90 قبل الميلاد ، صاحب نزعة أبيقورية (نسبة إلى الفيلسوف أبيقور، فيلسوف اللذة)، خلف عملا فلسفيا وأدبيا وحيدا، يمكن إدراجه في صنف القصيدة الفلسفية الملحمية، وهي تتحدث عن طبيعة الأشياء والكون. وقد حاولت المؤلفتان النظر في طبيعة الحب لديه، من مختلف جوانبه الملحمية، الواقعية والرومانسية.
-
مونتاني Montaigne
فيلسوف وكاتب فرنسي ولد سنة 1533 وتوفي سنة 1592، كان أول نصوصه الفلسفية حول الموت، من جراء تأثره بوفاة أستاذه المباشر، حيث افتتح بهذا الموضوع مؤلفه القيم “المحاولات”، وقد ركزت المؤلفتان على بعض مغامراته الشيقة في الحب التي تكشف عن نظرته له.
-
جون جاك روسو Jean-Jacques Rousseau
فيلسوف فرنسي صاحب نظرية “التعاقد الاجتماعي”، اهتم بالسياسة والتربية ومواضيع أخرى، وقد كتب عن سيرته الحياتية “اعترافات”، وحكى فيها عن مغامرات طفولته، بما في ذلك معاقبته بسبب ميولاته الشهوانية الغريزية خلال مرحلة تعليمه الديني، ويمكن القول أنه بهذا المعنى رفض تكبيل الحب بالقيود الدينية ليجعله طليقا قوامه الفطرة الأصلية للإنسان.
-
إيمانويل كانط Emmanuel Kant
واحد من أبرز الفلاسفة الألمان خلال المرحلة الحديثة، تتسم فلسفته بالدقة والرصانة والعمق، وقد انعكس ذلك على حياته، حيث إنه لم يتزوج خشية أن يكون الزواج حائلا بينه وبين النظام الذي اختاره لحياته عنوانا، يحكى أنه فكر في الزواج مرتين، إلا أنه أطال التفكير إلى أن تزوجت الفتاتان، وهكذا عاش فيلسوف الأنوار والنقد عازبا.
-
أرثر شوبنهاور Arthur Schopenhauer
فيلسوف ألماني ولد سنة 1788 وتوفي سنة 1860، لقب بفيلسوف البؤس والتشاؤم، حيث نظر إلى الحياة على أنها شر مطلق وشقاء، وقد عرض نظرته للوجود في كتابه “العالم كإرادة وتمثل”، ويحكى أنه قدم أدنه هدية لمحبوبته، وكتب عن الحب كتابه “ميتافيزيقا الحب”.
-
سورين كيركغارد Søren Kierkegaard
أب الوجودية المؤمنة، ولد سنة 1813 بالدنيمارك، صاحب العبارة الشهيرة “علي أن أجد السبب الذي من أجله وجدت ومن أجله أموت”، التي تشكل قاعدة لتيار فكري هو التيار الوجودي، الذي سيكون الأكثر تأثيرا في إنسان القرن العشرين، عاش كيركغارد قصة غرامية تحدثت عنها المؤلفتان، وربما كانت سببا في موته المبكر.
-
فردريك نيتشه Friedrich Nietzsche
فيلسوف ألماني ولد سنة 1844، لقب بفيلسوف القوة، وكانت وفاته سنة 1900، اهتم بدراسة الأخلاق والموسيقى واللغة، من أبرز أعماله “هكذا تكلم زراديشت”، و“إرادة القوة”، حيث تحدث الكاتبان عن قصته الغرامية الحزينة، التي انتهت بخيانة جعلته يحقد على النساء، ويعرف الحب بدلالة الحرب، ومن أشهر أقواله في هذا السياق “إن المرأة لا تحب إلى محاربا”.
-
مارتن هايدغر وحنة أرندت Martin Heidegger et Hannah Arendt
هايدغر فيلسوف ألماني معاصر ولد سنة 1889 وتوفي سنة 1976، درس الظاهريات على يد أستاذه إدموند هوسرلEdmund Husserl قبل أن يخلفه على كرسيه بالجامعة، وقد درست على يديه تلميذته الفيلسوفة حنة أرندت، حيث أعجب بها وكانت بينهما رسائل غرامية وفكرية بعد فرارها إلى أمريكا بعد سيطرة النازية، رأى فيها منظرة وباحثة وفيلسوفة صاعدة، ورأت فيه الفيلسوف العميق الرصين، وقدر لحبهما أن يكون حبا عن بعد ومن الحرب.
-
جون بول سارتر وسيمون دي بوفوار Jean-Paul Sartre et Simone de Beauvoir
-
ختمت الكاتبتان الكتاب بحديثهما عن قصة الحب الذي جمع بين سارتر وسيمون، ويعتبر سارتر من أبرز الفلاسفة والأدباء والنقاد الفرنسيين المعاصرين، ولد سنة 1805، واعتبر زعيما لتيار الوجودية الملحدة عندا اعتبر أنه لا مبرر للوجود ولا على له، توفي سنة 1980، وربطته علاقة وطيدة بسيمون دي بوفوار التي اهتمت بالبحث في الإنسانيات وقضايا المرأة، ويعتبر كتابها “الجنس الأخر”، واحدا من أهم الكتب في دراسة النوع. جمعها بساتر الحب في زمن الحرب، حيث كانت رفيقته في الدفاع عن التحرر والحرية.
يتضح أن الكتاب لا يشمل جميع الفلاسفة وإنما أبرزهم، أو على الأصح أبرز من تحدث منهم عن الحب ونظر له، أو عاش غماره بطريقة أثرت في فلسفته وحياته، وأعتقد أن الكاتبتان وفقتا إلى حد بعيد في اختياراتهما، والجميل في هذا الكتاب أن سهل الأسلوب، سيقرؤه من ليس متخصصا في الفلسفة وسيجد فيه ما يريد.
رغم كل هذا أجد أن هنالك بونا شاسعا بين الحب المتحدث عنه، والحب كما هو في الواقع، فشتانا بين الحديث عن الحب وعيش غماره، إذ يمكن القول من هذا المنطلق أن الحديث عن الحب حديث يظل مشوها، فهو شيء يعاش ويبقى منفلتا وغير قابل للوصف ولا للتحديد في ماهية جامدة.
طغت على الكتاب أيضا نظرة تشاؤمية غير مفهومة؛ سرديات حزينة وبائسة في كثير من الأحيان، باعثة للحزن، لا يستطيع مرهفو الإحساس مواكبتها، فهذا الكتاب لم يكن رفيقا جميلا خلال رحلته قراءته، لأنه يجعل القارئ يساءل تصوراته التفاؤلية للحب ويشكك فيها، وهذا أمر غير جيد لمن لم يلامس قلبه الحب بعد.
يبقى أن نسجل في الأخير أن الكتاب ركز على الثقافة الفلسفية الغربية، ويمكن بهذا الصدد أن نشير إلى أن هنالك حديثا عميقا عن الحب في ثقافتنا الإسلامية، وهو حديث يكنزه الإرث الفلسفي الصوفي، الذي ينظر إلى الحب على أنه اتصال ليس بالجنس الأخر فقط، وإنما بالله، حيث تشتاق الروح إلى أصلها، مثلما تشتاق حواء إلى أصلها.
-
-