«كفرناحوم» للبنانية نادين لبكي يحصد جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان

*نسرين سيد أحمد

لعلَّ أول سؤال يتبادر إلى الأذهان عند معرفة اسم فيلم «كفرناحوم» للمخرجة اللبنانية نادين لبكي هو لم اختارت لبكي هذا الاسم؟ وما مغزاه في سياق أحداثه. هو اسم محير يقودنا للبحث في محركات البحث حتى نفهم مغزاه. إضافة إلى كونها بلدة توراتية عتيقة في أراضي فلسطين، أصبحت كلمة «كفرناحوم» تشير إلى مكان تعمه الفوضى والجلبة ويختلط فيه الحابل بالنابل. وهذا تحديدا ما يصوره سياق الأحداث في فيلم لبكي، المشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان في دورته 71 (8 إلى 19 مايو/أيار الجاري)، الذي تشير التوقعات إلى أنه منافس قوي للحصول على السعفة الذهبية في المهرجان.
يصور الفيلم حياة الفقراء والمعوزين الذين يعيشون على هامش المجتمع اللبناني. هم خليط كبير من البشر من بينهم الأطفال الذين يأتون إلى الدنيا ليجدوا أنفسهم لأسر معدمة، تستخدمهم قبل أن يشبوا عن الطوق أو يشتد عودهم للعمل في التسول وبيع الأغراض على قارعة الطريق، أو وسط إشارات المرور، ومن بينهم أيضا عاملات المنازل اللاتي يأتين من دول مثل إثيوبيا والفلبين وغيرها، بدون أوراق رسمية للعمل في منازل الطبقات المتيسرة في لبنان. حياة لا ترحم تطحن الفقراء طحنا وتدفعهم بدورهم إلى طحن أطفالهم في محاولة لإيجاد قوت يومهم.
يبدأ الفيلم في قاعة المحكمة وتستخدم لبكي المحاكمة كنقطة انطلاق للأحداث، حيث نجد الصبي زين (زين الرفيع، في أداء مميز) الذي لا نعرف عمره الحقيقي لأسباب تتضح لاحقا وتقدر المحكمة عمره بنحو 12 عاما، مقيدا بالأغلال لأنه يمضي عقوبة لطعن شخص بالسكين، ويؤكد أنه لو أُعيدت الكرّة، لطعنه مجددا. ولكن سبب وجود زين أمام المحكمة ليس بسبب قضية الطعن، ولكن لأنه رفع دعوى قضائية على والديه لمنعهما من الإنجاب مجددا لأنهما يجلبان أبناء إلى الحياة ليلقوا فيها الفقر والقهر وشظف العيش.
وعلى الرغم من أن رفع زين دعوى على والديه لأنهما أنجباه وزجا به في هذه الحياة يبدو ذريعة واهية غير مقنعة لبداية الأحداث، إلا أن لبكي تنقلنا بدون إطالة إلى أرض الواقع الذي يعيشه زين. يبدو زين، رغم حجمه الصغير، ناضجا علمته الحياة الشاقة أن يكون رجلا قبل الأوان، وأنضجته بدون أن يعيش طفولة، وحمّلته من المسؤوليات الكثير. هو طفل سلبت منه طفولته ويحمل في قلبه من الحزن والغضب الكثير. وتتعامل لبكي مع قضية الأطفال في المناطق العشوائية الفقيرة في لبنان بحساسية وفطنة كبيرتين وبإنسانية كبيرة.
يعيش زين مع أمه سعاد (كوثر الحداد) وأبيه (فادي كامل يوسف) في شقة فقيرة رثة تغص بالأطفال، فلدى زين من الأخوة والأخوات الكثير. هم أطفال لا تعنى بهم الأم ولا يحني عليهم الأب، بل يعملون لجلب قوت يومهم ولجلب المال إلى أبويهم. لا يهم مدى مشروعية ما يقومون به، طالما يجلبون دخلا. نرى زين يجوب صيدليات الحي لشراء الأدوية المسكنة والمخدرة لبيعها على مدمنيها في المنطقة. لا نرى أي صلات عاطفية تربط بين زين وأي من أفراد أسرته، بخلاف أخته سحر التي يبلغ عمرها نحو 11 عاما (سيدرا عزام)، التي يحبها كثيرا ويحميها ويسعى جاهدا لإنقاذها من مصيرها المحتوم، ففور أن يأتيها المحيض ستزوجها أمها لرجل يكبرها كثيرا حتى ترتاح من نفقاتها، وحتى يجلب زواجها بعض الدخل من المال الذي سيمهره الزوج لأسرتها. لعلّ أحد أكثر المشاهد تأثيرا في الفيلم هو هذا الذعر الذي يرتسم على وجه زين حين يلحظ بقعة دماء على ملابس سحر، فيعلم أنها جاءها الحيض لأول مرة، فيسعى جاهدا لإخفاء تلك الحقيقة عن أبويه حتى ينقذ سحر الصغيرة النحيلة البريئة من زيجة لا قبل لها بها نفسيا أو جسديا.
اختارت لبكي للعب أدوار شخصيات أبطالها الرئيسيين ممثلين غير محترفين يتشابه واقعهم لحد كبير مع أدوارهم في الفيلم. فقد كان زين الرفيع، قبل اختياره للعب دور زين في الفيلم، يعمل في توصيل السلع إلى المنازل منذ أن كان في العاشرة، بينما وقع الاختيار على سيدرا عزام، وهي لاجئة سورية في لبنان، وهي تبيع الحلوى في شوارع بيروت.
يذكر أن الفيلم حصد أول أمس السبت جائزة لجنة التحكيم في الدروة الحادية والسبعين من مهرجان «كان» وقد استقبله المشاركون في كان بالتصفيق، وأثنوا على أداء ممثليه الذين وقفوا أمام الكاميرا لأول مرة، وبينهم بطل الفيلم الطفل زين الرافعي وهو لاجئ سوري في لبنان..
_________
*القدس العربي

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *