التَّرْبِيَةُ فِي الإسْلامِ .. الأهَمِّيَّةُ والخَصَائِصُ

خاص- ثقافات

*د.بليغ حمدي إسماعيل

في ظل هذه الظروف التي تعصف بمجتمعاتنا الإسلامية ، تأخذ التربية الإسلامية أهميتها القصوى في بناء الأفراد والمجتمعات، باعتبارها من أقوى المؤثرات في إعداد الفرد إعداداً شاملاً روحياً وعقلياً واجتماعياً وتنشئته في ظل المبادئ والتعاليم الإسلامية، وحمايته من الظاهرات السلبية، وفي الوقت نفسه تعد التربية الإسلامية خير ضمان لتنمية المجتمع وحماية أمنه واستقراره، وتأكيد ذاتيته وهويته، وتحقيق الضبط الاجتماعي بين أفراد المجتمع..
والمجتمع العربي الذي يواجه مشكلات عديدة في حاجة ماسة إلى شئ من التوازن بين التقدم المادي والتقدم الروحي، وبين ما ينشده من رقي مادي وملاحقة التطورات العصرية وما يحفظ هويته وذاتيته الثقافية، وذلك حتى يتمكن المجتمع العربي من التطور في شكل أكثر استقراراً واتزاناً، والتربية الإسلامية هي المصدر الذي يمكن أن يتحقق كل هذا من خلاله..
فالتربية الإسلامية تكفل نهضة المجتمع وتقدمه، وحمايته واستقراره، وذلك بما تبثه من مبادئ إسلامية في نفوس أفراده، وتحثهم على العمل والإنتاج، وتربط الإيمان بالعمل الصالح وذلك في كثير من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، وذلك في إطار الإخلاص، والإتقان. مما يعمل على نهضة المجتمع وتقدمه، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في كثير من الآيات كقوله تعالى:  إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً  (الكهف 107).
ويتكرر هذا الربط بين الإيمان والعمل ليشعر المؤمن بأن ما يقوم به من عمل هو عبادة، وفي هذا المعنى يحث الرسول( صلى الله عليه وسلم)على إتقان العمل، وتحمل المسئولية، يقول الرسول(صلى الله عليه وسلم) في ذلك: ” إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه” . كما ترسخ التربية الإسلامية في نفوس الأفراد معاني الولاء والانتماء للمجتمع ،وحبه، و التضحية في سبيله ونصرته.
كما تهيئ التربية الإسلامية أفراد المجتمع للدفاع عن أوطانهم، وحماية مقدساتهم، ومجابهة أعدائهم ، بتربيتهم على أخلاق الجهاد في سبيل الله، وما يتصل بذلك من القوة الجسدية والعقلية والاجتماعية، وذلك كله مما يدخل في قوله تعالى   وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة   (الأنفال ـ 60)، وما هذا الإعداد إلا خطوة لحماية الوطن، وتحقيق السلام، وتنمية المجتمع، وعمارة البلاد.
وتظهر حاجة المجتمع واضحة للتربية الإسلامية؛ إذ تفتح أمامه مجالات الإبداع ،لإنهاء حالات الضعف الحضاري التي وقع فيها، وتهتم بإعداد وتأهيل القوى البشرية اللازمة لكافة قطاعات العمل والإنتاج، وتعمل على إكساب أفراد المجتمع القدرة على التكيف الاجتماعي الإيجابي مع التغيرات الصحيحة واستيعابها، والمساهمة الإيجابية في إحداثها في إطار الأهداف الإسلامية ، هذا بالإضافة إلى ما تقدمه التربية الإسلامية من وحدة فكرية تربط بين أفراد المجتمع أساسها وحدة العقيدة ،التي تشكل وحدة عضوية تحقق الانسجام بين أعضاء المجتمع.
وإذا كان المجتمع عبارة عن مجموع أفراده، فإن التربية الإسلامية توجه الاهتمام الأكبر إلى تنمية الأفراد روحياً ونفسياً وعقلياً وسلوكياً.فمن الناحية النفسية تعد التربية الإسلامية وسيلة لإشباع الحاجات النفسية والروحية، وحاجته إلى الأمن والحب والولاء والعطف، والتربية الإسلامية وسيلة لضمان الراحة النفسية، وبخاصة إذا ما أحاطت بالفرد المتاعب، ونزلت به المصائب والمشكلات ،كما أنها تعطي الفرد إحساساً بالذات، وشعوراً بأهميته الاجتماعية، فيزداد ثقة في نفسه ،وإيماناً بقدرته .وحسب المسلم أن يقرأ قوله تعالى:  ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير. لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما أتاكم والله لا يحب كل مختال فخور  (الحديد ـ22،32) ،  ليستقر الإيمان في نفسه وقلبه، وينطلق إلى الحياة ،ويواجه مشكلاتها بعزيمة وإصرار.
ويبرز دور التربية الإسلامية في تنمية العقل حيث تشبع رغبة العقل البشري في معرفة كل ما يحيط به، وما يغيب عنه، فتقدم له التفسير للظواهر التي تحيط به، فتبعده بذلك عن كل انحراف، ومن ناحية أخرى فإن التربية الإسلامية تدعو الإنسان إلى التفكير والتدبر في خلق الله، وتعمل على توجيه فكره، وإرشاده إلى المسار الصحيح، والآيات القرآنية التي تدعو إلى ذلك كثيرة، منها قوله تعالى:  إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات أولي الألباب  (آل عمران ـ190).وقوله تعالى  أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت *وإلى الجبال كيف نصبت*وإلى الأرض كيف سطحت  (الغاشية ـ17،20).
وهكذا يدعو الله ـ سبحانه وتعالى ـ إلى النظر في ما حولهم من موجودات وظواهر وأحداث كونية متعددة ومختلفة على أن يكون هذا النظر مصحوباً بالتأمل العقلي والتفكر، فهي دعوة إلى النظر الحسي والعقلي في نفس الوقت،يقول الله تعالى في سورة الأنعام: قل هل يستوي الأعمى والبصير أفلا تتفكرون    (الأنعام ـ50)، ولا ريب أن قوة الملاحظة والوقوف على ما يحدث حول الإنسان،وفهمه وتأمله ودراسته واستخلاص النتائج منه يؤدي إلى اليقظة العقلية وهي من أهم سمات التفكير العلمي السليم. وللتربية الإسلامية دور بارز في تنمية القدرات العقلية للإنسان مثل القدرة على الاستنتاج، والتأمل، والتفسير، وإدراك العلاقات.
وتهتم التربية الإسلامية بالناحية الجسدية للفرد، فهي تدعو إلى النظافة والطهارة، وتسعى إلى إشباع حاجات الجسم من خلال المحافظة على صحته العامة، وتسعى إلى إشباع واقع الفرد الجسدية، وإلى تنمية العادات الصحية الطيبة، إيماناً منها بأن علاقة الإنسان بالحاجات المادية الجسدية علاقة صحيحة.
وتقيم التربية الإسلامية نظاماً سديدا لتنظيم الغرائز والعواطف والتوازن بينهما، وعدت القوة الجسدية قيمة إسلامية.وقد أشار القرآن الكريم إلى ضرورة الاهتمام بالجسد، مثل قوله تعالى:  وكلوا واشربوا ولا وتسرفوا إنه لا يحب المسرفين (الأعراف ـ31)..
وتهتم التربية الإسلامية بالجانب السلوكي للفرد؛ فتحثه على العمل والسلوك الإيجابي في الحياة، وترشده بما فيها من عقائد وشرائع ومعاملات إلى الحياة الصالحة، فالتربية الإسلامية ليست تربية نظرية، بل هي سلوك في حياة الأفراد، وهي تربية تهتم بتمكين الإنسان من اكتساب المهارات اللازمة لممارسة الحياة العملية ،وترسم له المبادئ المثالية التي يهتدي بها في سلوكه، ويسير عليها في سلوكه ،ويسير عليها في حياته، ومن تمام كمال الإنسان المسلم أن تتطابق أقواله مع أفعاله، ولذا اهتمت التربية الإسلامية بتكوين العادات السلوكية الحسنة عند الفرد منذ طفولته الأولى لما في هذه العادات من أثر طيب في اكتساب الفضائل والبعد عن الشرور والرذائل.
وتوجيهات القرآن الكريم في مجملها إرشادات للسلوك الإيجابي الصحيح، ونبذ للسلوك السلبي الضار، ومن ذلك التوجيه القرآني إلى العمل المتقن قوله تعالى:  وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون (التوبة ـ105).وتوجيهات الرسول (صلى الله عليه وسلم)المتصلة بالسلوك أجل من أن تحصى، وهي شاملة لكل سلوك طيب نافع في الحياة كالأمانة والصدق والوفاء بالوعد، يقول الرسول(صلى الله عليه وسلم): ” إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند الله صديقأ،وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار،وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذاباً””.
وإذا كانت التربية الإسلامية مهمة للفرد والمجتمع بصفة عامة، فإنها ذات أهمية خاصة للطلاب في المرحلة الثانوية، نظراً لما يتسم به هؤلاء الطلاب من قلق، وتمرد، وأنهم أكثر عرضة للتيارات الفكرية المختلفة.وتأخذ التربية الإسلامية أهميتها في هذه المرحلة من أنها تعمل على مساعدة الطلاب على النمو الاجتماعي السليم في المجتمع، وتربية الضمير والوازع الديني لديهم، وتزويدهم بالمعارف الدينية، وتبصيرهم بالآداب والقيم الإسلامية مع توجيه ميولهم إلى الاستزادة من هذه المعارف.
خصائص التربية الدينية الإسلامية:
اتسمت التربية الدينية الإسلامية بمجموعة من الخصائص والسمات منها أنها تربية:
ربانية:
التربية الدينية الإسلامية تربية ربانية؛ وذلك لأن مصدريها الأساسين وهما القرآن الكريم والسنة النبوية وحي من الله عز وجل، فمصدر هذ1 التربية رباني خالص منزل من السماء كما قال الله سبحانه وتعالى يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً ( النساء ـ 174).  كما أن التربية الدينية الإسلامية تربية ربانية الغاية الوجهة ، فغايتها وهدفها  هو حسن وتعميق الصلة بالله تبارك وتعالى، والحصول على مرضاته، فكل ما في الكون قد خلق للإنسان، أما الإنسان فقد خلق لله عز وجل؛ لمعرفته وعبادته، وأداء أمانته على الأرض.
وهذه الربانية تجعل التربية الدينية الإسلامية موضع ثقة للمؤمنين بها، كما أنها تغرس في المؤمن دافعا فطرياً داخلياً نحو الاستقامة دون الحاجة إلى رقابة من سلطان أو قانون؛ لأنها تغرس في نفس الإنسان وازرعاً داخلياً يحثه على مراقبة الله في تصرفاته وسلوكه وأفعاله.
إنسانية:
تهتم التربية الدينية الإسلامية بالإنسان وقضاياه ومشكلاته العامة والخاصة، وهي تربية ترتقي بأخلاق الإنسان المؤمن ،وتهدف إلى إسعاده في الحياة الدنيا والآخرة، والمصدر الأول لهذه التربية هو القرآن الكريم وهو كتاب الله للإنسان، وأولى آيات القرآن الكريم اهتمت بتعليم الإنسان ، يقول تعالى:  اقرأ باسم ربك الذي خلق  (العلق ـ 1)، وأوامر القرآن ونواهيه هدفها صالح الإنسان، كما أن الرسول(صلى الله عليه وسلم) أكد ذلك في أحاديثه وسلوكه ومعاملاته.
والقرآن الكريم حريص في شتى المناسبات على تأكيد إنسانية الإنسان، يقول تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً (الكهف ـ 110). وتتضح صفة الإنسانية في جانب العبادات؛ فالصلاة عون للإنسان في الحياة، يقول تعالى:  يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين  (  البقرة ـ 153) .
والصوم تربية لإرادة الإنسان على الصبر في مواجهة المصاعب، وتربية لمشاعره على الإحساس بآلام غيره، والحج مؤتمر رباني إنساني، دعا الله فيه عباده المؤمنين، يقول تعالى: ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام  (الحج ـ 28) .. فشهود المنافع هنا يمثل الجانب الإنساني في الحج، والزكاة مظهر من مظاهر الإنسانية في أجلى معانيها، فهي تؤخذ من الغني القادر لترد على الفقير، فهي للأول تزكية وتطهير، وللثاني إغناء وتحرير.
ومن مظاهر التكريم الإلهي للإنسان استخلافه في الأرض، وخلقه في أحسن تقويم ، يقول تعالى: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم  (التين،4) ، وتسخير الكون لخدمته.والتربية الإسلامية توجه الإنسان نحو الأخلاق الفاضلة من خلال تعلمها، والالتزام بالخلق الكريم، والتحلي بجميل الصفات، ومعاملة الآخرين بالحسنى، وفي هذا اهتمام بالإنسان.
متكاملة:
يقصد بالتكامل أنها لا ينفصل بعضها عن بعض، ولا يكتفي بشيء منها على سائرها، والتكامل يأتي من أن الفرد كل متكامل لا ينفصل جسمه عن عقله ولا عن وجدانه، ولا تنفصل حياته الفردية عن حياته الاجتماعية. وتعني هذه الخاصية أن جوانب الدين الإسلامي متكاملة تتبادل التأثير والتأثر، ويشير التكامل إلى أن الجوانب العملية في الإسلام لا تصبح ذات قيمة إلا إذا سبقها اعتقاد أو نية طيبة، قال رسول الله ” إنما الأعمال بالنيات  وإنما لكل امرئ ما نوى ” ، وهذا يعني بالضرورة انسجام العلم والعمل، والعقيدة، والشريعة، وضرورة الاتفاق بين الجوانب المختلفة للشخصية. والتربية الإسلامية بذلك تمتاز بتكاملها في الحصول على المعرفة ، واكتساب الخبرات وتنميتها، ومن ثم تكوين نظرة متكاملة نحو الكون والحياة، وتكوين اتجاهات إيجابية متكاملة لديه.
متوازنة:
تتسم التربية الدينية الإسلامية بالتوازن، ويتضح ذلك في تناسق العلاقات بين الإنسان وخالقه، وبين الإنسان ومجتمعه وأسرته، وبين الجانب المادي والروحي، وذلك في العبادات والسلوك والمعاملات، فلا يطغى جانب على آخر، بل تتناسق العلاقات بقدر يتيح للإنسان أن يحيا حياة متوازنة مستقيمة. ومن أمثلة ذلك جاءت الدعوة إلى السعي والعمل مقرونة بالصلاة، فبعد أداء الصلاة وهي الجانب الروحي يجب على المسلم السعي إلى عمله، وهو الجانب المادي، مما يحدث التوازن في حياة الإنسان، يقول الله تعالى: فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله  ( الجمعة ـ 10).
شاملة:
إن للتربية الإسلامية  نظرة شاملة للإنسان والحياة، وتعني بالإنسان من نواحي تكوينه جميعها، جسميا وعقليا وروحياً، فالإنسان ليس بالكيان المادي فحسب، كما أنه ليس بالروح المجردة عن المادة، بل هو كائن يحتاج إلى نمو الجسم والعقل والروح والخلق باعتدال. فاهتمام الإسلام بالجسد يتمثل في مظاهر كثيرة منها الدعوة إلى الاعتدال في المأكل والمشرب وفيه حفاظ على الصحة، إلى غير ذلك من إكساب المؤمن العادات الصحية الطيبة، يقول الله تعالى: وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ( الأعراف ـ 31).   وجاءت سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مؤكدة لذلك، قال الرسول(صلى الله عليه وسلم) : ” بركة الطعام الوضوء قبله،والوضوء بعده” ، وفي هذا حرص على إكساب الرسول ) صلى الله عليه وسلم) للمؤمن مجموعة من العادات الصحية المتعلقة بالطعام.
عقلية :
ومن مظاهر اهتمام التربية الإسلامية بالعقل أنها تولي العلم والبحث أهمية بالغة، وقد نزلت أول آية من القرآن تحض على القراءة والتعلم، وقد أقسم الله بالقلم، يقول الله تعالى: ن . والقلم وما يسطرون  ( القلم ـ 1) كما قرن الله سبحانه وتعالى أهل العلم به وملائكته ، يقول تعالى: شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم  (آل عمران ـ 18).
وتعد التربية الإسلامية تربية عقلية للإنسان باتباعه مناهج الاستدلال العقلي، وهي تربية تدعو إلى التفكير والتأمل، والقرآن الكريم يحث المؤمن على استعمال العقل إلى أقصى حد مستطاع، ويشيد بمن يستعمله، ويعمل فكره في النظر والتدبر، واستخلاص البراهين والنتائج من المعلومات التي تتوافر لديه من الأمور الدينية والدنيوية. يقول الله تعالى: كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب    ( ص ـ 29)، ويقول تعالى: وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون   ( العنكبوت ـ 43) .
واقعية:
تمتاز التربية الدينية الإسلامية بانسجامها مع الواقع، وتوافقها مع الحياة،  فمنهج التربية الدينية الإسلامية لا تنكر واقع الإنسان وبيئته، بل امتاز بملاءمة الواقع، والانطلاق منه إلى معارج الخير والفضيلة، والواقعية في التربية الإسلامية تعني مراعاة الكون من حيث هو حقيقة واقعية ووجود مشاهد، والتربية الإسلامية من خلال توجهاتها الفكرية وتعليماتها الأخلاقية لم تنس واقع الكون وواقع حياة الإنسان..
والتربية الإسلامية واقعية في طبيعتها لأن أحكامها المستمرة من الإسلام جاءت موافقة لطبيعة البشر في كل زمان ومكان، فهي لم تكبت للبشر غريزة، ولم تحجب عنهم مصلحة، وفي نفس الوقت لم تطلق لهم العنان ليشبعوا غرائزهم بالمحرمات.وقد راعت التربية الدينية الإسلامية فطرة البشر من حيث تعرضهم للمرض، أو السفر،أو الميل إلى اللهو والترويح عن النفس، فرخصت لهم بعض أنواع اللعب كالسباق والفروسية والسباحة.
ومن مظاهر مراعاة التربية الإسلامية لواقع المؤمن في حالات التعب والمرض صلاته قاعداً، أو مضطجعاً على جنبه، والتيمم في حالات ندرة وجود المياه، وقصر الصلاة بالنسبة للمسافر، وإفطار المريض في رمضان وغير ذلك من مراعاة الإسلام لظروف الإنسان الطارئة. يقول الله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ( البقرة ـ 185).
أخلاقية:
تعمل التربية الإسلامية على غرس الأخلاق الفاضلة في نفوس المؤمنين، فالأخلاق الإسلامية جزء لا يتجزأ من الإسلام، وهي ثمرة الأحكام الشرعية ، لذا يثاب من تمسك بالخلق الطيب، وتتلخص التربية الأخلاقية في الإسلام بالتمسك بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول الله تعالى: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون   ( النحل ـ 90) .
وتعاليم الإسلام في الجانب الأخلاقي جاءت لتنقل البشر خطوات فسيحات إلى حياة مشرقة بالفضائل والآداب، فليست الأخلاق في التربية الإسلامية من الترف الذي يمكن الاستغناء عنه، بل هي من أصول الحياة التي يبغيها الإسلام ويرفع درجة أصحابها، وقد أحصى الإسلام مكارم الأخلاق ومعاليها وفضلها تفضيلاً، وحث أتباعه على التزامها والتمسك بها.
وقد تجلت أخلاقية الإسلام حين شرع مقابلة السيئة بمثلها دون عدوان، فأقر بذلك مرتبة العدل، ودرء العدوان، ولكنه حث على العفو والصبر والمغفرة للمسيء ، على أن يكون ذلك مكرمة يرغب فيها، لا فريضة يلزم بها، ويشير القرآن الكريم إلى هذا المعنى: وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ( الشورى ـ 40) .

شاهد أيضاً

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي

“المثنوى”و”شمس” من كُنوز مَولانا الرُّومي منال رضوان     المثنوى المعنوى، وديوان شمس لمولانا جلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *