خاص- ثقافات
*مراجعة: اندرو هنجيت/ ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
تأخذ رواية “المبعوث” الساخرة الذكية والبائسة للكاتبة اليابانية يوكو تاوادا القراء في توغل مفجع نحو المستقبل ولكنها تبدأ بالإشارة إلى كتاب نشر قبل أكثر من نصف قرن من الزمن: رواية “قضية شخصية” للكاتب كينزابورو أوي.
تتحدث قصة أوي عن رجل يهجر طفله حديث الولادة الذي يعاني من إعاقة شديدة وتعتبر من كلاسيكيات الأدب الياباني الحديث وأسهمت بحصول أوي على جائزة نوبل للآداب عام 1994.
يكبر المولود البائس في قصة أوي ويتحول في رواية تاوادا إلى طفل سعيد رغم شدة مراضاته يدعى مومي الذي يمثل صورة البراءة ويحمل على كاهله ذنوب والده.
لمومي رأس كبير يتربع على عنق دقيق مثل فرخ طائر وتلتوي ساقاه نحو الداخل أسفل ركبتيه. لا يستطيع هضم سوى الأطعمة القليلة وغالباً ما يخر صريعا مغمياً عليه وغائباً عن الوعي . وعندما يشعر بالحماس الزائد يلوح بيديه في الهواء ويصرخ” الجنة!”
يعيش مومي مع جد والده ،يوشيرو، الذي حكم عليه بالعيش أشد قوة يوماً إثر يوم بينما تخور قوى حفيده مع مرور الأيام.
يعتني يوشيرو بمومي ويدفعه في عربة تشبه مركبة فضائية ذات جوانب مبطنة ويطعمه عصيدة رقيقة ويقص عليه قصص اليابان القديمة عندما كان الناس يكتبون كافة الأحرف ويقرأون الصحف ويخططون للسفر إلى الخارج وغيرها.
تبني تاوادا خلال تنقلها بين طرفي هذا الثنائي عبر الرواية تمثيلية للتضاد بين منظورهما وتستجلب الفوارق الإسلوبية ما بين الإجيال عبر صوتيهما.
تحدث رواية “المبعوث ” في اليابان التي أغلقت مجدداً حدودها أمام العالم الخارجي . لا يذكر أي كارثة محددة أو إطار زمني ولكن تساقط الغبار الذري يبدو محتملاً.
أصبحت أطراف اليابان – هوكايدو وكوشو واوساكا- الأماكن المرغوبة بشدة للسكن بينما تهجر طوكيو بشكل متزايد بفعل التربة الملوثة بالإشعاع وعمارتها القميئة.
وكما هو الحال في روايات البؤس يصبح استشراف تاوادا للمستقبل الحزين سخرية من التوجهات الراهنة للمجتمع الذي تصوره.
مثلاً يشغل المسنون كافة المناصب المهمة في يابان تاوادا والذين تزداد مقدراتهم ونشاطهم مع تخطيهم سن التسعين والمائة والمائة وعشر سنين مما يعكس التوجه الحالي في اليابان المعاصرة نحو قوة عمل أكبر سناً.( تقول التقديرات المؤخرة للحكومة اليابانية : سيشكل السكان الذين تتجاوز أعمارهم الخامسة والستين نسبة 60% من مجموع عدد السكان بحلول عام 2060.)
تمنع إحدى البلدات في أوكيناوا الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 55 سنة من الإنتقال إليها للحيلولة دون النمو السكاني ولذلك يضطر الشباب والشابات إلى صبغ شعورهم وتجعيد جلودهم للظهور بمظهر الأكبر سناً –ولكنهم يفشون فتوتهم من خلال الوقوع ضحية لنزعات الهوية التي ترتبط مع شباب اليابان الحديثة- معرفة اللغة الإنكليزية وتفهم التقانة . ويتم الاستهزاء السياسي من خلال التورية ويصبح “عيد العمال” مثلاً “البقاء على قيد الحياة هو عيدنا”
ثمة جانب أكثر قتامة في تصوير تاوادا الروائي لليابان. وللأسف لا تقل فكرة إغلاق اليابان لحدودها مرة ثانية إنعكاساً في التوجهات المعاصرة عن حقيقة قوة العمل التي تجاوزت الثمانين من العمر.