على رملِ شاطئها المشبعِ بملحِ صمودها وأحلامِ مراكبها، سارا متعانقين باتّجاه أحدِ الفنادق المطلّةِ على البحر.
كانَ البحرُ يتابعُ همسَ خطواتهما، بينما تتشابكُ الأيادي في عناقٍ محمومٍ، ونظراتٍ عاشقةٍ عزفت سمفونيّةَ حبٍّ على أوتارِ غدٍ وعدهما أنّه سيكون ورديًّا، لكنّه، لا أدري… ربّما أخلف الوعد. أمّا نظراتي الخجلة، فقد أطلقت العنان لريحها تلاحقهما، تسترقُ النّظر بدفءٍ فضوليّ إلى أسرارِ هذا الحبِّ، من وراءِ ستارةِ ذلك الزّمن.
“يظهر إنهن عرسان جداد” تقولُ إحداهنّ مبتسمةً. فتردف أخرى: “باين عليهن بشهر عسل”. وتضحكُ أخرى “اتركوهن براحتهن حاجي تطلعوا عليهن”. ويدور الهمسُ ويكثر الغمزُ واللّمز بين النّسوة، وتتّسعُ الابتساماتُ الخبيثةُ، وتبتسمُ مراهقتي بدورها، بصمتٍ يحمرُّ خجلًا، وفضولٍ لم يتنازل لحظة عن ملاحقةِ هذا الحبّ وأنا حائرةٌ بين لغطِ النسوةِ ولومِ نفسي قبولها مرافقة “الأمّهات” في رحلةٍ إلى غزّة، كانت الأولى والأخيرة بالنّسبة لي.
وتمضي نظراتي في رحلتها مطوّقةً موكب العروسين بحنانها، ورومانسيّة أفلامها المصريّة الّتي كنت أتابعها باستمرار، حتّى ابتعاد آخر تفصيلٍ من تفاصيل الموكبُ العرائسيّ الجميل. وسرعان ما تنسى النّسوة الحبَّ وأبطالَه، وتبدأ استعداداتها بشنّ هجومٍ على وجباتِ سمكٍ شهيّة قام بتحضيرها أحد مطاعم منطقة الشّاطئ هناك.
حقيقةً تردّدتُ في كتابةِ هذا، خاصّةً في ظلّ هذه الأيّام العصيبة الّتي تمرّ بها غزّة. لكنّها غزّة…
نعم هي غزّة الّتي عرفت… هكذا حضرت في ذاكرتي بحنّاء عروسيها وموكب حبّهما ولغطِ نسوةٍ رافقتهنّ وأنا أحملُ على كتفي خمسة عشر ربيعًا …