خاص- ثقافات
*سيومي خليل
أخطر لحَظة في اليوم هي لحظة الاسْتيقاظ ، لا يمكنكَ أبدَا أن تتوقع ما الذي يمكن أن تراه عينيْك الصَغيرتين والعجيبتين .
بحكم العادَة ، وبِحُكم آلاف المرَات التي اسْتَيقظت فيها وفتحت عينيك على نفس الأشْياء التي تركتها قبل النّوم، لا ترتاب مما يمكن أن تراه عينَاك بعد كل استيقاظ . تَتوقع أن الصورة التي تحْمل دعَاء مكتوبَا بطريقة مزخرفة والمعلقة على الحائط المقابل لعَينيك سَتظل كما تركتها بالأمْس ، وأنّ دُولاب الملابس الخيزراني وراءَك لن يحدث له أي تغيير ، وأنّ كل أشكَال الفوضى التي تركتها ليلاً ستظل فوضى ولن تصير شَيئَا آخر مختلف …
يقينُك بأن لاَ شيء يمكن أن يحدث بعد الإستيقَاظ يعود إلى الفكرة اللعينة التي يحملها الجميع والتي تَقول أن الأشياء والأحداث الغريبَة تقع للآخرين ولا تقع لنا نحن . أنت تسمع عمّا يقع للآخرين ، وتقرأ عنه ، لكنك دائما ما تنام مطمئنا كونك ستفتح عينَيك على نفس الأشياء التي تركتها.
العالم ليس مكانا للإطمئنَان ، فلم يقدم لنا أي ضمانة على هذا الأَمْر ، لمْ يَعدنَا أبدَا بهذا ، ولم نوقع وَثيقَة لضمان الإطمئنَان ، نحن مطمئنون لأننا نُريد ذلك فقط ، ولأننَا نترك التفكير في أسوا الاحتمالات الممكنة .
لقد تنبه كافكا إلى خطورة لحظة الإستيقاظ في قصته الطويلة الانمساخ والتي ابتدأها ببداية بسيطة لكن صادمَة :
حين أفاق غريغوري سامسا ذات أحلام مزعجة ، وجد َنَفسه قد تحول في فراشه إلى حشرة ضخمة .
لحظة الإسْتيقَاظ خطيرة جدا لأنها – بكل بساطة – تأتي بَعد أطول مدة غياب يعيشها الفرد في يومه .
ما ننامه هو أطول مدة نغيبها من يومنا ، إذن كيف لاَ تكُون لحظة الإستيقاظ منه وفتح العينين أَخطَر لحظة في اليوم ؟
تكفي دقائق قليلة لتقَعْ أشيَاء كثيرة ، فما بالك بِأكْثَر من سَبع ساعَات نوم ، تقضيها في شخير وأحلام وكوابيس وغياب شبْه تَام عن الوجود .
تحكي لي أُسْتَاذة صَديقة أنّها وهي تستعد لامتحَانات الجامعة ، وتعمل على مراجعة قواميس اللغة العربية ، وضبط الكثير منْ قوَاعد نَحْو لغَة الضاد ، وأساليبها ، أحست بتعب شَديد ، ورغبة ملحة في التمدد في الفراش دون حركة بعد هذا الجهد الذي قامت به لليالي كي تنْجَح . انسلت إلى فراشها الوَضيع فِي بيت غرفة الطالبات الأربعْ، ورمت فوق جسدها الهَزيل غطاء خَفيف ، ثمَّ رَاح نفسهُا يزداد إلى أنْ تَحول إلى شخير . لا شك وأنها ذَاهبة للنوم كان هناك يقين يسْتبد بها يجعلها مطمئنّة جدّا إلى أنه بعد ساعات من الغيَاب سَتفتح عينيها على نفس الأشْياء التي تركتها ليلاً ؛ سَترى صديقاتها الثلاث اللائِي تَركتهن ممددَات على أفرشتهن قبل النوم ، وسَتنظر إلى الكتب المتناثرة هنا وهناك في الغرفة ، وستظل تلك الأوَاني البَسيطة منْ كُؤوس زجاجية وبراد شَاي متوسط الحجم وبوطا ومقلاة … والتي تُسَاكن الطَالبات غرفتهن في أمكنتها دون أي تغيير ، الأحذية النّسَائية هي الأخرى ، والتي دُون شَك وضعت مباشرة أمام الباب ، لنْ يَحدث لها أي شيء . هذا ما كانت تتوقع أن تراه الطالبة، فلم يكن هناك أي شَكْ ، ولو قَليل جدا، أنْ تَكُون لحظة الإستيقَاظ العادية والمكررة دائما لحظة خطرة .
في وقت الإسْتيقَاظ الذي احتفظَ به لاَ وعي الطالبة فتحت عينيها وفق تلك الحركَة البَسيطة جدا لحدود غير متخيلة ، لكنّها لمْ تَفتحهما على الأشياء التي تركتها ليلاً في غرفة الطالبات الضيقة . كان أمام العَينين ظلام لاغير .. لا غير .. لم تكن تلك الأَشْياء التي تَوقعت الطالبة أنْ تَراها . فركت عَينيهَا بِخَوف مرارا ، آملة أن يكون هذَا الظلام مجرد ظلام صباح مختلف سينقشع تَماما ،لكنها ظلت لأيام هكذا ، إلى أن أعادها الأطباء إلى حَالتها الأصلية.
أظن أنّ الأستاذة تحمد الله كثيرا على عودة بصرها ، لكنها لمْ تَعد تحمل ذلك اليقين التام على كَون ما نتركه قبل النوم هو ما سنفتح أعيننا عليه ..
لا شَك أنّ الأستَاذة تؤمن أن لحظة الإستيقاظ هي أسوأ لحظة في اليوم.
يمكنك أن تَستيقظ على أشياء كثيرة حدثت دون أن تكون حاضرَا ، دون أن تشهد وقوعها ؛ وهذا أَحد أسباب خطورة اللحظة .
حكى لي أخي أنّه أيام الغربة في البلدان الشقيقة استيقظ ذَات صَباح ليجد صديقه الذي ينام جنبه كمَا تركه بالأمس نائما. لقد تمدد في فراشه قبْلَ سبع سَاعات لينام وهاهو مازال ممدد على الفَرَاش ؛ نفس الصورة …لكن حينَ طَال تمدده تم اكتشاف أن الصّديق لن يستيقظ أبدا ، وأن عينيه سَتظَلان مُّغَمضتين. لقد مات بكل بساطة ، وهذا كفيل بجعَل أي شَخص يشهد هذا الأمر أن يَعْتبر أنّ لحظة الإسْتيقَاظ هي أخطر لحظة يمكن أن يعيشها الإنْسَان في اليوم .
أشياء كثيرَة تقع قبل الإستيقاظ وبعده لكن أسوأهَا أنْ تَستيقظ بمزاج ملول ، وخاطر مضطرب ، وفكرة عميقة حول أنّك مّجرد آلة ، وكل يوم تزداد الآلة صدأ ، وبعد كل استيقاظ تكثر أصوات الآلة المُّزعجة ويقل أداؤها كثيرا .
ليس هناك تغير مثل هذا أبدا .