فيلم أكشن

خاص- ثقافات

*رحاب شنيب

ها أنا أجدف .. ها أنا أعبر البحر كما يحلو لي هووووووه يا هووووه .. لا أنا أحلق .. أنا على بساط الريح .. أصفق بقوة هوووووووه يا هوووووه .. ثمة بردٌ وَخَزَ رجلي فرفعتُها على البساط .. انتبهتُ أنه لا شيء بالغرفة سوى أنا و البساط و شاشة تلفازٍ و لازلت أصرخ هووووووه يا هووووه .

أنا و البساط و شاشة التلفاز و الريموت و صوتُ أبنائي بالغرفة المجاورة و فرحة لا أعرف كيف فتحتْ باب كآبتي و سكنتْ به ..

فقد نشأتْ علاقةٌ غريبةٌ بيني و بين الأبواب منذ خروجي من بيتي .. و المفاتيح التي أخبئها في حقيبتي  ـ كأنها عش الدبابير ـ  كلما ألمسها ثمة وخزات تصيب روحي … و الباب كيف هو الباب ؟ .. لمّ هو؟  .. أشعر و كأنني طُعم في صنارة تتلقفني ألسنة الفراغ .. فلم يعد هناك باب لي .. ثمة وجوه كثيرة و ثمة رغبات و أصوات و أنفاس أخرى تدوسني .. أريد أن أتنفس هوووووووه يا هوووووه .

  • ما بك ؟

لم أعرف بما أجيب زوجي الداخل حاملا بعض الأكياس .. انشغلت عيني بتفحص الأكياس و لازلت أصرخ هوووووه يا هوووووه .

  • ما بي ؟ ( قلتها و أنا أتفحصني ) .. لا شيء .. أنا هي أنا .. آآآه لو تقوم بتعديل صحن الديجيتال .. كم أرغب أن أشاهد فيلما .

خرج الأولاد يتلقفون الأكياس و يطالبون بمشاهدة الرسوم المتحركة .. و لا يزال زوجي ينتظر إجابتي و هو يردد : ما بك ؟ .. حتى زوجي نشأت علاقة غريبة بينه و بين الأبواب .. هو لم يتآلف مع الباب الذي أقفله للتو .. لم يعرفه بعد .. لازال الباب غريبا .. لازالت جدران البيت غريبة .. بيتٌ لا تملكه يظل غريبا .. و كرر السؤال بوضوح أكثر : ماذا ترتدين ؟ .

نظرت إلى الفستان القصير الخفيف الفضفاض و قلت : أنا أرتدي ما يريحني ( و قد نزعت الإشارب و الفستان الطويل ذا الأكمام الطويلة التي أثقلتني في بيت أقاربه )  .. أنا أتنفس هوووووووه يا هوووووه .

أخذت الأكياس .. لم يجلب خبزا .. إذا لا مفر من طهي المكرونة و سأعجن للمساء .. عدم وجود طاولة كان مربكا في إعداد الطعام و الأكثر إرباكا هو الفرنيلو[1] و يسترنا الله و لا تنقطع الكهرباء .

لازال البيت يحتاج الكثير من الترتيب و لكنني أرغب بالراحة .. الآن وقت كوب الشاي و فيلم أكشن ـ  كم أرغب بفيلم أكشن ـ  صفعات و ركلات و لكمات .. كم أود أن تتورم أفكاري و تخلد للغثيان .. الحرب فككت شفرة أفكارنا .. الحرب سرقتنا و سرقت أحلامنا و أحلامٌ لا نملكها تظل غريبة .

 يا الله زوجي سبقني و استلم الريموت من الأولاد .. أتيت إليه مسرعةً  و قلت و قد توقف عند نشرة أخبار  : نشرة أخبار .. نشرة أخبار .. مللت من النشرات ..

الأخبار هنا ..

 الحرب هنا ..

ألا تسمع أصوات القنابل ..

أريد أن أرتاح قليلا ..

لا أريد أن أفكر ..

لا أريد أن أتخيل القادم الذي يتفنن في حضوره بصور بشعة .. كم أتمنى أن تتوقف شاشة عقلي .. كم أتمنى أن .. أن .. أن .. و فجأة انقطع الكهرباء و ضحك زوجي هووووووه يا هووووووه .

رحاب شنيب

 ليبيا

[1] صفيحة كهربائية للطهي

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *