*إنصاف قلعجي
هي ليست ” رحلات ” داخل حجرة، كتلك التي يختارها الكاتب لينزوي بين جدرانها، يقرأ ويكتب، ويحتسي فنجان قهوة بين الفينة والفينة، وكذلك يتمشى بين زواياها، مفكرا، يحاول القبض على الفكرة.. أمام أوراقه البيضاء، لكنه في النهاية حرّ داخل جدرانها.
لكنها في ” رحلات حجرة الكتابة ” المتعلقة بالكاتب الأمريكي بول أوستر، رحلات عبر الأمداء وداخل النفس القلقة للكاتب. هي حجرة أقرب منها إلى السجن، أو الإقامة الجبرية، حيث السيد بلانك، لا يدري أين هو. ذلك أن جهة ما تجبره على تناول حبوب تنسيه كل ما تعلق بحياته السابقة. الغرفة مزودة بكاميرات مراقبة، وآلة تسجيل تحصي عليه حتى أنفاسه. تزوره حبيبته السابقة آنّا، ” إنها ملاك على هيئة امرأة ” والتي لم يرها منذ خمسة وثلاثين عاما. تقوم على إطعامه وغسله وإلباسه. وكانت من ضمن الأشخاص “المئات” الذين سبّب لهم السيد بلانك عذابا كبيرا في إرسالهم في مهمات خطيرة، تعذّب بعضهم، والآخر قضى نحبه في سجون التعذيب..” لقد اقترفتُ بحقكِ شيئا فظيعا، لا أعرف ما هو، لكنه فظيع.. لا يوصف.. لا يمكن غفرانه. وها أنت ذا تهتمين بي كقديسة”. لكنها توضح له …” الذنب ليس ذنبك. أنت تفعل ما عليك فعله”. وإذ يجلس بجوارها على السرير، يتذكر أيام طفولته، ورحلاتهما الطويلة معا في صحارى الغرب البعيد وجباله.. “يتذكر أمّه وكيف اعتادت أن تلبسه على هذا النحو في غرفته الكائنة في الطابق العلوي، بينما شمس الصبا ح تتسلل عبر الستائر، وإذ يتذكر أن أمّه ميتة، ربما منذ زمن بعيد، يتساءل ما إذا كانت آنّا قد أضحت أمّاً جديدة له، وإلا فلِمَ يشعر بكل هذا الارتياح معها، هو الذي يكون عامة حيّيّا ومتحفظا فيما يتعلق بعرض جسده أمام الآخرين؟”.. وتخبره بأن الحبوب التي عليه تناولها هي جزء من الصفقة، وهي جزء من العلاج، وهو لا يدري عن أية صفقة تتحدث، فأفكاره” كانت شاردة بعيدا، في ضباب من الكائنات الشبحية والذكريات المتبددة”.
إن كان في القراءة شغف ومتعة عبر عوالم تتجاذبك، تخرجك أحيانا من واقعك، لتجوب عوالم غرائبية ساحرة تثير الدهشة، فإن في الكتابة معاناة كبيرة تصل حد العذاب.. حد التيه. ويقول أوستر عن القراءة ” .. كان شغفا صغيرا وقد كبر معي. لا يمكنني تخيل كاتب لم يكن قارئا شرسا في شبابه. القارئ الحقيقي يدرك أن الكتب عالم بحد ذاته وأنه أكثر سعة وتشويا من أي عالم آخر سافرنا إليه.. إنها السعادة التي تكتشفها فيما أنت تعيش الكتب”.. ” لقد قضيت الكثير من الوقت مدفونا بين الكتب”.

ثقافات موقع عربي لنشر الآداب والفنون والفكر يهتم بالتوجه نحو ثقافة إيجابية تنويرية جديدة ..!