هذه العبارة التي قالها الشاعر الفرنسي باتريس دوبان، كانت هي الفكرة التي حركت الشاعر والباحث العراقي د. خزعل الماجدي، لتقديم محاضرته التي أقيمت في مكتبة تكوين يوم الثلاثاء الموافق 10/4/2018 بعنوان “الأساطير تصارع التاريخ”.
بدأ د. خزعل الماجدي بتحليل الأصل اللغوي للفظ “أسطورة”، والتي تعود إلى اسم الإلهة البابلية “عشتار”، وهي أولى الآلهة التي دوَّنت تاريخيًا، كما عرّف الأسطورة اسطلاحًا بأنها “حكاية إله”، فالأسطورة هي حكاية مقدسة موضوعها الأساسي مرتبط حول قصة إله. أما القصة التي لا يكون مركزها إله يمكننا تسميتها ملحمةً أو خرافة أو غيرها.
من ضمن وظائف الأسطورة التي ذكرها د. خزعل الماجدي هو الجانب السردي لحكاية العالم الماورائي، مثل تفسير نشأة الكون، والخلق، ودورة الطبيعة. كما لها وظيفة روحية وشاعرية تكوّن ارتباطًا وثيقًا في حياة الناس، حيث يتم تداولها وتبادلها في جميع جوانب الحياة العملية اليومية، لتفرغ نشاطهم الروحي. فلم تعد محصورة في الدين، بل انتشرت في الأدب والرياضة والسياسة، حتى أصبحت أمرًا مشتركًا شعبيًا.
كما فرّق بين الأسطورة والخرافة، بأن الأسطورة يجب أن يكون مركزها إلهًا، أما الخرافة فمركزها الجن أو الإنسان فيما يتضمن خيالًا غير واقعي، والحكايات الشعبية هي التي يكون مركزها إنسانًا وتكون أحداثها واقعية. أما الملحمة فهي التي يكون مركزها “الإنسان البطل” مثل ملحمة كلكامش. وأكّد أن الإنسان أنشأ الأساطير لكي يشعر بالتوازن، هو يحتاج شيئًا ميتافيزيقيًا معه ليشعر بالأمان.
يقول د. خزعل “يرى عالم الأديان ميرسيا إلياد إن قلق الإنسان الحديث سببه الأساس رفض الأساطير والشعور بالمقدس. ولذلك فهو يعتبر الأسطورة والمقدس من أساسيات بناء الإنسان وليس جهله وانحطاطه، ولكنه يؤكد على التعامل الواعي وليس القبول المطلق.”
في العصر الحديث تمّت أنسنة الأسطورة مع ظهور النزعة الدنيوية في القرن الخامس عشر. وتجسدت في الشخصيات الشهيرة مثل الملوك والعلماء والفنانين، واستمر هذا الأمر حتى الحرب العالمية الثانية. أما في التاريخ المعاصر فقد أصبح الإنسان يحتاج إلى الأسطورة في الجانب الروحي، فظهرت هذه النزعة عند الإنسان حيث يهتم الفرد باغتنائه روحيًا من خلال الفنون والأدبيات بعيدًا عن الدين.
ما هو أصل الأسطورة؟ يرى نورث روب فراي أن الأدب هو وريث الأسطورة، وأنه أسطورة منزاحة عن الطابع الديني. وأصلهما ينبع من اللاشعور الجمعي حسب نظرية كارل يونغ، والتي تتمركز في النمط البدائي في لاوعي الإنسان، وهي كما ظهرت في بدء التاريخ على شكل أساطير فهي تظهر الآن على شكل إبداع بشري أدبي أو فني.
___________
*تكوين