المصيدة

خاص- ثقافات

*موسى إبراهيم أبو  رياش

استقبله الضابط الثوري بحفاوة كبيرة، وفي أثناء تناوله فنجان القهوة الذي قبله بعد إلحاح، عاتبه عن توقف مقالاته النقدية للمنظمة على الفيسبوك. استغرب الكاتب، فقد كان يكتب منتقدًا المنظمة التي ينتمي إليها الضابط الذي يعاتبه. ابتسم الضابط بخبث، وأكد له أن منظمته ديمقراطية، تؤمن بحرية وحق التعبير، وترحب بالنقد البناء لتصحيح مسار العمل الثوري، ورجاه أن يعاود الكتابة على نفس الوتيرة، ولا بأس برفع السقف قليلًا. وأوضح له أن صمته قد يُفسر بما يُسيء إلى العمل الثوري.

اعتذر الكاتب بأدب، فلديه ما يُشغله وأهم من نقد الآخرين وتتبع أخطائهم. أظهر الضابط أسفه وعتبه الشديد، فالنقد مهم جدًا للعمل الثوري؛ لضمان عدم انحرافه عن الطريق، ومن أجل أن يحسب الجميع حسابهم فلا ينزلقون أو يتهاونون. وطلب منه أن لا يتقوقع على نفسه، وأن لا يخذل مريديه الذين ينتظرون منه أن يعبر عنهم وعن آمالهم وآلامهم.

أصرَّ الكاتب على موقفه، فهو لا يثق بالضابط ولا منظمته، وأنبئه حدسه أنها خطة لخداعه واستغلاله لمآرب لا يعلمها.

ودعه الضابط بأسف، وهو يتمنى عليه أن يُراجع موقفه، وأن لا يبخل عليهم بالنقد البناء، الذي يخرج من القلوب المخلصة الحريصة على الوطن ومكتسباته وأبنائه المخلصين.

بعد أسبوع من المقابلة، لاحظ الكاتب المُعارض، أنَّ منشورات نقدية قاسية للمنظمة الثورية تُنشر على صفحته في الفيسبوك وباسمه أيضًا. ووصلته رسالة تهديد أن يصمت وإلا كانت عاقبته وخيمة.

انهالت الردود والتعليقات المؤيدة لما يُنشر، تُحيي شجاعة الكاتب وكشفه لعيوب الثوريين، وتطالبه بالمزيد. صمتَ الكاتب حائرًا لا يدري كيف يتصرف، فكل خطوة يخطوها مغامرة خطرة قد توقعه في مأزق. ونُشر المزيد من النقد الجارح الذي حَظي بالردود المؤيدة التي تكشف المزيد أيضًا.

تواصل الكاتب مع بعض الأصدقاء، وأخبرهم أن صفحته مُخترقة، وأنه بريء مما يُنشر فيها. لم يقتنع أحد، فالأسلوب أسلوبه، ونمط المقالات كما تعودوها منه سابقًا. أُسقط في يده، فقد خرجت الأمور عن مسارها، واستعد للأسوأ.

فكَّر طويلًا، ثم كتب على صفحته أن الصفحة مُخترقة، وأن لا علاقة له بما يُنشر فيها، وأرسل إشعارًا بذلك لإدارة الفيسبوك. غضب ضابط المنظمة الثورية، وأقسم أن يجعله يعض أصابعه ندمًا.

بعد ثلاثة أيام من التهديد، أُقتيد الكاتب المُعارض إلى أقبية المنظمة الثورية مع عشرات من أصدقائه على الصفحة ممن كتبوا الردود والتعليقات المؤيدة والكاشفة للمزيد من فضائح المنظمة وخفاياها وأكاذيبها.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *