نظرة أخرى للكويت وفلسطينييها

خاص- ثقافات

*جهاد الرنتيسي

تتطلب الاحاطة بالكتب التي تتناول التاريخ وقفات ولو سريعة عند السياقات التي يأتي فيها هذا التناول، ومهما كتب عن ظاهرة او سياق تاريخيين يبقى المجال واسعا امام تجديد القراءة او الاضافة عليها، لاسيما اذا توفرت معلومة جديدة او رؤية مختلفة.

يندرج كتاب “الكويت والفجر الفلسطيني” في اطار عدد من الكتب والدراسات التي تناولت العلاقات الفلسطينية ـ الكويتية بعد ازمة الخليج وحربه الثانية وما تخللهما من غزو واحتلال لدولة الكويت،اطلقا متغيرات في التفكير النخبوي والمزاج العام على امتداد المنطقة والعالم .

يضم بين صفحاته شهادات بعض الذين واكبوا مراحل من تجربة الفلسطينيين في الكويت وتجربة الكويت واهلها مع الفلسطينيين، احداها لوليد ابو بكر الذي كان من خلال اشتغالاته واهتماماته في صلب حالة نهوض ادب وفن عبرا عن رؤى الكويتيين للذات والمحيط والعالم وما زالا يحتفظان بقدر من تلك الذاكرة، واخرى لتيسير نظمي وهو من اوائل الذين تعاملوا ابداعيا مع تفاصيل تجربة الفلسطينيين في الكويت، ولا يخلو من اشارات لاصوات عاندت التفكير السائد مثل اسماعيل فهد اسماعيل سنديانة الرواية الخليجية التي تفيأنا ظلالها وبقيت عصية على انكسارات الزمن، وحراس الضمير الفلسطيني غسان كنفاني، ناجي العلي، ومحمد الاسعد، ويستند الى ذاكرة اجيال سابقة من متعاطي السياسة مثل خيري ابو الجبين وسليم الزعنون، ويسجل مواقف لاخرين مثل صلاح خلف، ويحاول الخروج برؤية جديدة.

حين نتحدث عن الاصدارات التي تناولت العلاقة من هذه الزاوية تحضرنا عدة بينها كتاب المرحوم توفيق ابو بكر “الفلسطينيون في الكويت” وكتاب الدكتور فلاح المديرس “تطور العلاقات الكويتية ـ الفلسطينية واثر الاحتلال العراقي فيها” ولا تغيب عنا مقالات مطولة في مجلات متخصصة مثل مقالة د.شفيق الغبرا ” الفلسطينيون والكويتيون: الصراع والفرص الضائعة” التي نشرتها مجلة الدراسات الفلسطينية في خريف 1995.

 تباينت هذه الكتب والدراسات من حيث معطيات تناول الاحداث وتوجيهها والمنهجية المستخدمة والقدرة على الوصول الى قراءة متوازنه للتطورات المفصلية رغم ان الفترات الزمنية والخطوط العريضة التي تحركت فيها كانت متشابهة وكذلك الخزين الذي راكمه التاريخ.

خضع ذلك الاختلاف لعدد من المعطيات بينها مرور الوجود الفلسطيني في الكويت بمراحل وتطورات مختلفة على مختلف الاصعدة السياسية والاقتصادية وربما الاجتماعية .

كل تطور من هذه التطورات يضيف تفاصيل جديدة الى خصوصيات تلك العلاقة الخاصة والمختلفة عن العلاقات التي كانت تربط الوجود الفلسطيني باي بيئة من البيئات العربية وغير العربية .

لا شك في ان الفترة الزمنية الواسعة منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى اللحظة الراهنة تلعب الدور الاكبر في توليد تلك التفاصيل، ويضاف الى ذلك لبس الاحداث التي مرت بها المنطقة، لاسيما ان الكويت بنظامها وشعبها كانت دائما على تماس مع هذه القضية، وكذلك فلسطيني الكويت الذي لم ينه اشتباكه مع قضيته المركزية رغم مغريات العيش والاستهلاك في بلد نفطي وبقي فاعلا في رفد ساحة الاشتباك الرئيسة بالمال والقادة والنخب والكوادر والمقاتلين.

طبيعة العلاقة حاضرة حين نتحدث عن لبس القراءات ووضوحها، عن تشابهها واختلافها، فلم تكن علاقة عمالة مع بلد مضيف ، او مجرد هوى سياسي، او موجة ثقافية عابرة مع متلقين تتغير رؤاهم بهبوب رياح اخرى، وكان التفاعل الاجتماعي حاضرا، مما يعني ايغال التداخل في البنيتين التحتية والفوقية.

اتساع او ضيق الهامش الذي تحركت فيه قدرة الطرفين الكويتي والفلسطيني على تجاوز ملابسات احداث الغزو الذي عطل مؤشر البوصلة لعبا دورا في تعدد القراءات لا سيما ان العتب كان حاضرا لدى الطرفين في كل الاحوال.

لم تنه فترة الانقطاع التي تلت منعطف الغزو حالة التداخل التي اشرنا اليها بعجالة، بقي هناك ما يمكن وصفه بالتواصل الخجول على المستويين النخبوي والشعبي، ظل الفلسطيني حاضرا في كتابات الكويتيين ونمط الحياة الكويتي حاضرا في حياة الفلسطينيين بعد مغادرتهم الكويت وسرعان ما استؤنفت المساعدات الرسمية للهيئات الخيرية والتعليمية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.

قد يفسر ذلك مشتركات التفكير حيث اتسم الطرفان بالتعددية الفكرية والسياسية التي يمكن تلمسها بوضوح في تعايش اليمين واليسار في المجتمع الكويتي، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع السياسي الفلسطيني، فلم يكن مستغربا وجود ظاهرة “الطليعة” و”المجتمع” في الكويت، واشتباكهما حول السياسة الداخلية والنظرة الى التطورات الاقليمية والعالمية، او ان يتواجد في تلك البلاد رمز يمين فتح خالد الحسن ورمز يسارها نمر صالح ولكل من هذين الرمزين تياره في داخل الحركة الذي اخذ شكلا كمبرادوريا في حالة الاول والفئات الشعبية والعمالية في حالة الثاني.

كل هذه المعطيات توصلنا الى قناعة باننا في حاجة الى اكثر من كتاب وربما مكتبة لسبر اغوار كل تفصيلة من تفاصيل تلك التجربة وتوسيع الفجوة في الجدار الذي يفصلنا عن تلك المرآة .

يزيد من هذه الحاجة ضرورات للبحث عن سبل التعايش وايجاد القواسم المشتركة لحياة اكثر امانا تفرضها الاحداث العاصفة التي تمر بها المنطقة وكان حدث غزو الكويت ومنعطف الوجود الفلسطيني هناك احد مقدماتها وبدايات دائرتها التي لم تغلق بعد .

  • نص الكلمة التي القيت في حفل اشهار كتاب “الكويت والفجر الفلسطيني” للكاتب رجا طلب في مركز الحسين الثقافي .

 

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *