أبو خاطر والسرطان

خاص- ثقافات

*د.فراس ميهوب

دخل الرجل السبعيني، ومعه زوجته التي تبدو أصغر منه سناً بعشرة أعوام على الأقل؛ إلى عيادة الطبيب الشاب المطلة على البحر في طرطوس.

رغم محاولتها إخفاء إعيائها الشديد، إلا أنَّ شبح المرض كان مخيِّماً على محيَّاها الحزين.

جهد الدكتور رأفت على عدم تبيان ما أبداه فحصه المتأن، إنه السرطان بدأ يلتهم أحشاء المريضة المسكينة ببطء، ولكن بتقدم الوحش الواثق من ضراوة مخالبه.

بكلمات لا تحمل إلا الحقيقة، ولكنها تجهد على ستر قسوتها، أخبر الدكتور رأفت العم أبا خاطر بمرض زوجته بعيداً عن مسامعها؛ في زيارةٍ آخرى بعد تحاليل مؤكِّدة، إلا أنَّ الرجل انفجر غضباً في وجه الطبيب، واتهمه بالكذب، والتسرع، والتشخيص الخاطئ.

– أتفهم مشاعرك ياعم، لكن واجبي يحتّم أخبارك بالحقيقة ولو كانت علقم المذاق، فالجراحة في هذه الحالة يجب أن تُجرى بسرعة، ولا أخفيك أنَّ نسبة الشفاء مع ذلك ليست عالية.

بكى أبو خاطر بحرقةٍ شديدةٍ، وخرج دون وداع، مغلقاً باب العيادة بعنفٍ شديدٍ ، كأنه يريد بحركته اللاواعية، أن يضع سدّاً عالياً أمام انتشار السرطان في جسد زوجته الحبيبة.

لم يك أمام الطبيب خياراً آخر، ولكن الموقف أحرجه، وتأثر كثيراً على حال المريضة وخصوصاً على مشاعر زوجها المحبّ.

مضت أشهرٌ ستة، حين فوجئ الطبيب بأبي خاطر يجلس بهدوء وصبر في قاعة الانتظار، وحيداً هذه المرة.

بدأ الدكتور رأفت يعدُّ بعناية حروفه المواسية للتخفيف ما أمكن عن هذا الرجل المفجوع، رغم أنّ كل كلمات الدنيا لا تعوض عن فقد حبيب.

لكن أبا خاطر صعق الطبيب بمبرر زيارته:

– بصراحة، جئت لتفحصني أنا هذه المرة، أريد منك تقريراً يثبت أهليتي الصحيّة للزواج، فخطيبتي الجديدة تصرُّ على ذلك، وعلاوةً على ذلك فهي تصغرني بعشرين عاماً.

تاه الطبيب وتضاربت أفكاره ما بين حب أبي خاطر الشديد لزوجته ورفضه القاطع لإصابتها بالمرض، وبين تلهفه لمشروع زواجه الجديد والسريع .

لكن أبا خاطر المستعجل أجاب على كل تساؤلاته دفعةً واحدةً :

– يا حكيم، الحيّ أبقى من الميت؛ ولكن لدي سؤال يحيرني، أنا رجلٌ سيء الحظ، فهذه ثالث زوجة لي تموت بالسرطان بعد سنواتٍ قليلة من زواجنا، أنا خائفٌ، فهل السرطان مرضٌ معدٍ يا حكيمنا؟

– لا يا أبا خاطر، لا تخف، إنّه ليس معديّاً، ولكن الهمَّ يسرطن ويقتل، ابتعد عنه ، ولا تقلق، فالسرطان سيبتعد عنك لوحده، كما فعل دائماً حتى الآن.

وهنا عاد الطبيب بخياله إلى سنوات دراسته الأولى، وتذكر أستاذه بعلم الأورام؛ متحدثاً عن الأسباب غير المعروفة بدقة لمرض السرطان، وتمنى أنّ يخبره عن أبي خاطر فربما غيَّر رأيه.

07/03/2018

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *