هل يمكننا الدفاع عن إرهابي :سجال بين قانوني وفيلسوف؟(1)

خاص- ثقافات

*ترجمة : سعيد بوخليط

تقديم :

 انتُقِد المحامي إيريك دوبون موريتي،جراء دفاعه عن أخ محمد مراح. فيما وراء السجال،تطرح هذه المحاكمة أسئلة جوهرية :هل يمكننا إدانة  شخص اعتمادا على نوايا؟هل الاختيارات الدينية الراديكالية،مجرد اعتقادات أو خطوة أولى ضمن دوامة الجريمة؟سيناقش رجل القانون أسئلة من هذا القبيل مع الفيلسوف إيف ميشو،المتخصص في العنف،والذي تابع  محاكمة مراح.  

مناظرة لاذعة بين مفكر يجلد ذهن الرفق ومحام مرموق.

 *الفيلسوف : توبع عبد القادر مراح أمام محكمة الجنايات المختصة في باريس بتهمة ”التواطؤ على القتل” و”المشاركة في مجموعة إجرامية ذات صلة بعمل إرهابي”،ووجهت إليه تهمة تهيئه لدعم لوجيستيكي وإيديولوجي لأخيه محمد مراح.لقد أوضحتم بعدم وجود أي دليل مادي يؤكد تورط عبد القادر في جرائم أخيه محمد.مع أنه شارك في شراء السترة المضادة للرصاص وكذا سرقة الدراجة النارية التي استعملت خلال لحظة اغتيال الأشخاص السبعة،من بينهم ثلاثة أطفال،وذلك أمام مدرسة يهودية.فكيف أمكنكم تفنيد تهمة التواطؤ؟.

*المحامي :ثلاثة عناصر شكلت صك تهم وعملت ضد عبد القادر مراح.أولا،التقى أخيه محمد يوم الجريمة.هذا المعطى لم يحدث الجدال بشأنه.قالت الشرطة : “لقد تبادلا بالتأكيد عناصر يمكن أن تشكل مؤامرة”. أجبت :”هل لديكم الدليل؟”.فأشاروا إلى مسألة التقية،أي استراتجية المواربة التي يتبناها الإرهابيون الجهاديون.هذا يقود إلى أخذ ورد سوريالي مع التهمة : “لقد تحدث محمد وعبد القادر – هل تعلمون مضمون حديثهما؟-لا،لكن بمقتضى التقية،تبقى حتما دليلا عن جرمهما”.خلال مناسبات عدة، استفسر رئيس المحكمة الشرطة عن  العلاقة المتداخلة بين الشقيقين،وشرح أطباء الأمراض النفسية والعقلية بأن الشائع أن إرهابيا قبل انتقاله إلى الفعل،يبادر نحو التصالح مع عائلته في صيغة نوع من التطهير المهيئ للاستشهاد.لكن الحجية أقرت بأن ذلك ليس بدليل.أما عنصر الإثبات الثاني:سرقة الدراجة النارية،وامتطاها معا يوم السرقة.توخت النيابة العامة أن تجعل من السرقة فعلا متعمدا.لكنها تهمة سقطت حينما أكد مالك الدراجة بأنه ترك المفاتيح في دراجته…إذا أقررنا بإمكانية  شراكة عبد القادر في عملية السرقة – أمر رفضه – فهل ينبغي،أيضا إثبات من خلال تقديمه المساعدة لأخيه بخصوص سرقتها،علمه بأنها سرقة من أجل اقتراف أفعال إجرامية.لم يبرز أي دليل بهذا الخصوص.ثالثا :شراء سترة .بحيث أقرض عبد القادر النقود لأخيه، بل إن فاتورة حررت باسمه قصد إمكانية استفادته من تجميع لنقط بطاقة إخلاص. فكيف ينسجم سعي كهذا، مع شخص يفترض أنه يحاول التكتم عن صنيعه،مما يجعل ذلك مثيرا!من جهة أخرى،أكدت الصور أن السترة التي لبسها محمد لحظة اعتدائه على المدرسة اليهودية لم تكن ذاتها التي اشتراها عبد القادر.بالتالي،لم يصمد هذا الدليل أمام الفحص الدقيق للوقائع.

*الفيلسوف :لكن أليس بوسعنا أيضا استحضار النصائح التي أمكن عبد القادر تقديمها لأخيه؟.

*المحامي :هي العناصر التي اكتشفت في جهاز حاسوبه،واحتوت على تسجيلات منسوبة إلى تنظيم القاعدة.اتسمت بعموميتها لذلك لم تُتَرجم كاملة.حينما طلبت من القاضي تقديم ترجمة تامة،أجابني بعدم جدوى ذلك،لأنها لم تكن قط مفيدة لمحمد مراح.

*الفيلسوف :لم يتهم عبد القادر إذن سوى بمقتضى العصابة الإجرامية.مخالفة أظهرتم كذلك ارتيابكم  حول شرعيتها.هل يمكن القول أنكم لستم مرتاحا للحكم الصادر؟حتى ولو أن عشرين سنة هي أقصى مدة العقوبة،فقد برئ  موكلكم على أية حال من التواطؤ.

* المحامي : جل الحقوقيين أبطلوا المجموعة الإجرامية كمخالفة لمجرد التخلص.بالتالي ، وجب تعليل هذا القرار .الشك،المبدأ الكبير لعدالتنا،أفاد المتهم،بينما الانفعال الذي أثاره بهذه الجرائم كان بإمكانه أن يذهب بكل شيء.

*الفيلسوف :أكدتم باستمرار استحالة  البرهنة على علم عبد القادر بما طوته نية أخيه.لكن ما يهمني باعتباري فيلسوفا تجريبيا،ليست النوايا بل الوقائع.انطلاقا من لحظة منح النقود،أو أنك حاضر هناك،إبان سرقة الدراجة النارية،حتى ولو ادعيت عدم معرفتك بالحيثيات،فقد امتطيت السفينة.بناء على حجتكم،ألا تشكل تنقلات صلاح عبد السلام الذي جال كل أوروبا بسيارة صحبة إرهابيين من مكان إلى ثان  انطلاقا من مسرح باتكلان  Bataclanدليلا ماديا على تواطئه: سيبرر دائما بكونه أدى خدمة إلى أصدقاء.إذا شاهدت شيئا يشبه طائر بط يصدح بصوت البطبطة،فلا يمكنه سوى أن يعني إلي بطا.

*المحامي : يثير برهانكم استغرابي.هكذا،تُفهم مجموعة إجرامية بالنسبة للفلاسفة،وفي إطار الفلسفة،لدى التجريبيين،ثم مجموعة إجرامية أخرى وفق تصور القانونيين؟ لا!لاتوجد عصابة إجرامية ينظر إليها من زاوية الفلسفة،أو حسب فلسفة معينة.

* الفيلسوف : لا أتكلم هنا فلسفيا بل عن معطيات تجلت واقعيا.تواطؤ يوسف فوفانا بخصوص اختطاف واغتيال إيلان حليمي عام 2006 لم تكن ربما نواياه جلية فيما يتعلق بهذه المشاركة،لكنها تبلورت فعليا. تدحضون الاتهامات حسب قصديات حضرت عند الأفراد أم لم تحضر.بالنسبة إلي،يكفيني تجلي الاشتراك الفعلي.

*المحامي :أولا،سيدي أنتم غير محيط بالوقائع.لأنكم لم تعاينوا أجواء المحاكمة ولا المرافعات. لديكم المعطيات من خلال المادة الإعلامية.

*الفيلسوف :كأنكم وحدكم من يعرف الوقائع !لم أحضر المحاكمة،لكن ذلك لم يمنعني سواء من الاطلاع على الأمور،والانزعاج جراء موقفكم.إذا أقنعتني دلائلكم،فإني أتحفظ نحو موقفكم :الفيزيائي،السلوكي،الهجومي،ثم المهين أحيانا. لاسيما حينما تكلمتم عن تهديدات وجهت إلى أطفالكم أو قارنتم حزن عائلات الضحايا بعائلة الجناة.استراتجية  كتلك مُمَسْرِحة للعدالة صدمتني.المحامون يخلقون أو يصححون المحاكمة.حتى ولو كانت عنصرا للدفاع ،أنتظر من العدالة حِكمة أكثر ثم مسرحا بشكل أقل.

*المحامي : لم أعبر عن فكرتي حول هذه القضية على امتداد سنوات التحقيق الخمس،ولا خلال كل أطوار  المحاكمة. أما عن التهديدات الموجهة إلى أبنائي،فقد كشفت عنها بعد تردد طويلا.أفراد الشرطة،وبأمر من رؤسائهم،قدموا شهاداتهم بوجه غير مكشوف خلف ستار – بينما وافق أحدهم قبل ذلك على إجراء لقاء تلفيزيوني علني !لذلك، حتى أتصدى لهذا التوضيب  المسرحي أحسست بضرورة أن أجيز لنفسي الكشف عن تهديدات فعلية وصلتني حقا.طرحتها بين أيادي النيابة العامة،بحيث اعترضت عليها بداية قبل أن تقبل بها.علما،أنه منذ تلك اللحظة،استُدعي المسؤول عن هذه التهديدات.

*الفيلسوف : خلال المحاكمة،وبعد مداخلة والدة مراح،أكدتم :”هذه المرأة تكذب،لكن لا يمكننا أن نطلب من أمّ الإدلاء بشهادة ضد ابنها :” واستحضرتم الصياغة الشهيرة المريبة لألبير كامو بخصوص أمه :” أومن بالعدالة لكني أدافع عن أمي قبل العدالة”،ثم طبقتموها على هذه المرأة :”بين العدالة وولدها،فقد اختارت ولدها”.بل ذهبتم حد قولكم:”هي أيضا فقدت ابنا لها”.هذه المقارنات أثارت صدمة.

*المحامي : مع ذلك يعتبر أمرا صحيحا.فهذه المرأة ضمن سياق نزاع وفاء قادها إلى الكذب.هل من المستحيل الإقرار بأنها تنطلق من حزن على أحد أبنائها الذي مات والثاني في السجن؟تبقى أ مَّا آدمية،وليس بقرة وضعت مولودا. وجع الضحايا مشروع.لكن لايمكنه أن يُصَادِر. لأني صرحت بهذا،هاجموني بشكل فاحش.

*الفيلسوف :هذا لم يصدمني.ما أزعجني،أنه بوسعنا في فرنسا،أن نحنث باليمين  دون عقاب.في الولايات المتحدة الأمريكية،إهانة القضاء من طرف والدة الأخوين مراح،يقود إلى العقاب.

*المحامي :والدة المتهم،لم تؤدي اليمين ،ولم تحلف زورا.بوسعها أن تكذب،مثل المتهم.

*الفيلسوف :هل يكذب المحامي كذلك؟

*المحامي : بالتأكيد،مثل الفيلسوف أيضا،بل كما يحدث مع الجميع !

*الفيلسوف :أنتم من يصرح بذلك.

*المحامي :لنعد إلى مبادئ القانون الجنائي. بوسع المتهم الكذب أو يلازم الصمت.من حقه أن لا يشهد ضد نفسه.النتيجة الطبيعية لهذا المبدأ،أن حمولة الدليل تحتم التهمة…نادرا ماصادفت أمهات يأتين كي يدلين بشهادات ضد أبنائهن.بالتالي،عكس هذا الموقف،هو ماقد يشكل مفاجأة،وربما سيكون لاإنسانيا. عندما استشهدت بكامو،اتجه تفكيري إلى أمي.  وتساءلت، في حالة ارتكابي لجريمة،إذا كانت ستأتي قصد تحطيمي…دور المحامي أن يفهم، ثم يفعل ذلك غالبا باستحضار ذاته.

* الفيلسوف: ننظر دائما إلى مهنة المحامي من وجهة نظر إيتيقية أو إنسانية. بالنسبة إلي،يلزم فهمها مثل أداء خدمات.إنها من نفس نظام الهندسة المالية :ننجز من جهة تسويات مالية وضريبية،ومن جهة ثانية نضع تكهنات وفرضيات.

* المحامي : (قهقهات)إذا وُجِّهت إليكم يوما ما تهمة خطأ،فستغمركم السعادة حين اتصالكم ب”مهندس مالي”.بخصوص هذه القضية،انعدم هاجسي المالي :لم أرغب في الاستفادة من مستحقاتي القانونية ،باعتباري محام عينته المحكمة، حتى لايقال  بأن مال دافع الضرائب سمحت بتسديد المرافعة عن مراح… أشياء كثيرة في مهنة المحاماة تفتقد الإنسانية،لكن  قَلْب هذا المهنة،أن تكون ناطقا باسم شخص يحتاج إلى ذلك.

*الفيلسوف : أردت القول أن المحامي يهيئ استراتجية دفاع ملائمة أكثر كي ينتشل زبونه من مشكلته، يقلل التكلفة أو يجعله رابحا.

*المحامي :لكن عليه أيضا أن يفهم.غداة الهجمات الإرهابية،عام 2015،أكد مانويل فالس :”أن تفسر،يعكس سلفا رغبة في الاعتذار”حماقة !إذا أحلنا دون الفهم،فإننا نمنع استئصال هذا الشر المطلق.يختلف دور المحامي عن دور المثقفين.هو أكثر برغماتية.

*الفيلسوف : بالتأكيد يلزمنا أن نفهم.لكن يتعلق الأمر بتناول كل العوامل،التي من بينها ليس فقط النوايا أو السيكولوجيا.وأنا جد متحفظ أن يتم هذا في محاكم العدالة.منذ أربعين سنة وأنا أدْرس العنف،وأؤكد لكم أنه مع كل حادثة إرهابية،ينكب مختصون على دراسة المظهر العام للإرهابيين ويضعون  استراتجيات وقائية أو استباقية لإزالة مفعولهم. لكن هذا يعود إلى ماأسميه ب :” الشرطة-السيكولوجية” وليس العدالة.اليوم،يتوخى إقناعنا بأن الحقيقة تخرج من محاكم العدالة. لا،إنها تتطلب مقتضيات ثقيلة ومعقدة، ويلزمنا أحيانا تعليق حكمها! أمام محاكم العدالة،يكمن كل هذا العمل البنائي الذي يعده المحامون، ثم القواعد القانونية،وهذا التمسرح،وهذه ”الأكاذيب الحقيقية”كما قال بيرنار تابي Tapie !

*المحامي :ماهي ربما وظيفة العدالة بخصوص علاج الراديكالية؟ثم ماهو ربما دور المحامي بهذا الشأن؟ فيما يتعلق بمحاكمة مراح،فقد ولد هذا التساؤل من نقاش حول الإجراءات،.بلا قيمة ظاهريا.تعلمون بأن الدعوى الجنائية تنقسم إلى جزأين :الأولى مكرسة إلى اختبار شخصية المتهم،والثاني يتعلق بالعناصر المادية للملف.والحال أن السؤال المطروح :أين ينبغي إدراج الاختيارات الدينية لعبد القادر مراح؟هل يعود إعلان انتمائه السلفي إلى شخصيته؟أم العناصر المادية؟منذ البداية،بحثنا عن استعمال الاختيارات الدينية من أجل دعم تهمة التواطؤ :(( إنه سلفي،بالتالي يضمر نية مساعدة أخيه وارتكاب جرائمه)) ،ثم أيضا،عوض ذلك لصالح تهمة العصابة الإجرامية: ((إنه سلفي،إذن، فقد منح مؤازرته،دون أن يكون ضالعا)).الهوية الدينية والصلة بين الأخوين مراح، طُرحا كدليلي إثبات.أنا أقول :هذا يتعلق بالشخصية.لم ينجح الأمر .لكن كما ترون يوظف هنا مبدأ أساسي.

*الفيلسوف:يبدو لي من الصعب حصر الدين داخل الطوية،عند الدائرة الشخصية،ثم نفحص بطريقة منفصلة،أفعال المتهم عن سلوكه.في حالة مثل هذه،تلتصق الاعتقادات والأفعال بعضها ببعض.ببداهة،ينبغي الاحتراس من المبالغة في تقدير دور الاعتقادات،غير أنه لا يمكننا الإبقاء عليها منفصلة عن الممارسات.تعريف الاعتقاد،كما يظهره الفيلسوف دونالد دافيدسون،أنه بصدد توخي الفعل نفسه.تراهنون حول لائحتين : تودون أن تفهموا انطلاقا من النوايا،ثم تؤكدون أن الاعتقادات لادور لها. ممارسة كما لو هي منفصلة !

*المحامي : فقط أن القانون يتكهن صراحة…

*الفيلسوف :لكن بوسعنا انتقاد القانون،أليس كذلك؟

*المحامي : قبل التعرض إلى الوضعية،لنتكلم عن القانون الوضعي.اسمحوا لي كي يذكركم  أن القانون يتحسب كي لا يجعل من ملف الشخصية بأي حال من الأحوال معطى يتدخل في تحديد الجرم.فلا يمكننا ،نظرا لأن شخصا ما سيكون قادرا على ارتكاب جريمة أو جنحة، اعتباره مجرما بناء على تلك الجريمة نفسها. إنه احتياط أساسي.

*الفيلسوف :لنقر بأن الشك يلزمه إفادة عبد القادر مراح نفسه،ولا ضرورة كي نضعه مع أخيه في كفة واحدة و أن اعتقاداته لا تجعل منه مذنبا.مع ذلك،فقد أكد عدم اعترافه بعدالة الجمهورية، مؤمنا فقط بالعدالة الإلهية.أليس لنا الحق كي نتصور تجنيده إيديولوجيا لأخيه بمقولات من هذا الصنف.

*المحامي :كثيرون من وجَّهوا وجنَّدوا محمد مراح…هناك تباينات في الإسلاموية. قد نكون سلفيين دون أن نكون إرهابيين.على ذات منوال انتسابك لليمين المتطرف لا يعني أنك نازي.

*الفيلسوف :أنا مرتبط بلا قيد أو شرط بحرية التعبير في حدود عدم انتقالها إلى مباشرة الفعل.محاولة التوجيه نحو قناعة لا تقتضي بالضرورة الانتقال صوب أفعال.الأفكار ليست أسلحة،وحدها الأسلحة تبقى أسلحة. في المقابل،إذا الاعتقاد الديني محفزا للشخصية،فيمكنه في حالات معينة أن يجعل منه عضوا ضمن مجموعة إجرامية. ليس الأمر سببيا.لكن العصابة الإجرامية لاتهم فقط مهاجمي الأبناك.

* المحامي :ليس لأن منحرفين يتحومون حول لعبة البلوتla belote يمثلون بالضرورة عصابة إجرامية،بل يقتضي الأمر فعل إجراميا.

* الفيلسوف :بالنسبة إلي،يكفي وجود تعاون فعلي …لقد تكلم مراح عن ستة أركان في الإسلام،بينما توجد فقط خمسة.ركن يقوم على عقيدة”الله أكبر ومحمد رسوله”،بينما الأربعة الأخرى تعتبر أوامر طقوسية.أما الركن السادس فيرتبط خاصة بالسلفية :التأكيد على الجهاد.

*المحامي : إنه لا يخفي ذلك،وتحدث عن مايظنه بخصوص القانون الجمهوري.

*الفيلسوف : الانتساب إلى قيم الجمهورية،من خلال الإقرار بقيمة القوانين الوضعية باعتبارها أسمى من كل قانون إلهي،يشكل شرط الانتماء إلى المواطنة. وكل رفض لذلك،يجب أن يقود نحو العقاب،ليس بالضرورة جنائيا لكن مدنيا.إنها الفكرة الكامنة خلف قانون فرانسوا هولاند المتعلق بإسقاط الجنسية.لقد خاب سعيه لأنه تمحور حول مزدوجي الجنسية،مما خلق تمييزا.لكني أعتقد بإلزامية عقوبات أمام رفض الانتماء المدني.نحن لسنا هنا فقط ضمن القانون الجنائي بل التعريف ذاته للمواطنة والانتماء إلى الوحدة الجمهورية.

*المحامي :الصعوبة القانونية المرتبطة بإسقاط الجنسية أن البعض ليسوا مزدوجي الجنسية ويصيرون أبارتايد إذا سلبناهم الجنسية.

*الفيلسوف :الأبارتايد موجودة،وتحظى بوضع.إن مقيما مسيحيا أو مسلما في القدس يعتبر أبارتايد،مادام لا يملك جواز سفر ولا جنسية،فقط رخصة مرور. لماذا لانعكس ذلك على الإرهابيين؟ليس بوضع مريح،لكنه محدد في القانون،سواء بما يوفره من حماية أو ما يفرضه من واجبات.

*المحامي : لاتعود المشكلة إلى وجود الأبارتايد.بل المشكلة أن هذا سيحدث في دولة قانون كما الشأن بالنسبة لفرنسا ثم يقود نحو أشكال أخرى جديدة.أما عن العقوبات المتعلقة بالحقوق المدنية،فإنها موجودة.

*الفيلسوف :ماعدا إذا لم تستخدم،أو تم ذلك بوداعة تبعث على الابتسامة.

*المحامي :ينادي البعض باحتجاز “المشتبه في أمرهم” داخل غوانتنامو على الطريقة الفرنسية.غاية اللحظة،لانقوم بسجن المشتبهين.لكننا ،وفق التصور السابق،شرعنا في الانتقال من الفعل إلى الفكرة.

*الفيلسوف :إزاء الإرهاب،ينبغي أن تكون مستعدا للتفكير في مبدأ العودة إلى عقوبة الإعدام،مع الاحتراس من مجازفة الخطأ القانوني. أتموضع عند صرامة وجهة نظر المفهومية.بعض التصرفات المتجردة من الإنسانية تعني أن أصحابها انفصلوا عن البشرية.ما ننعته في القانون الدولي بجريمة في حق البشرية.لم يتم قط تفعيل عقوبة الإعدام،حتى مع استحضار حالة  أدولف أيخمان.عندما يتخلى أفراد عن إنسانيتهم،فمن المنطقي التصرف.هكذا جاءت سلفا أطروحة كانط.

*المحامي : مستغرب جدا أن فيلسوفا سنة 2008،بوسعه التحدث بهدوء عن عقوبة الإعدام.هل نتخلى عن القوانين الخاصة بنا أو نتصور قواعد أخرى للإرهابيين؟هذا ماسميته ب”la bataclanisation “(نسبة إلى ماجرى في مسرح باتكلان) المجتمع.مما سيشكل ارتدادا. إذا بادرنا نحو القيام بذلك،فقد انتصر الإرهاب.بحيث صار يملي علينا أسلوب حياتنا، وتفكيرنا وتصورنا.لا ينبغي أن تختلط العدالة مع الحرب والقانون الجنائي ولا قانون الحرب.القضاة ليسوا بجنود.نعلم بحدوث إعدامات خارج التراب الوطني.لقد اعترف الرئيس هولاند بذلك. لكن ذلك من اختصاص قانون الحرب .

* الفيلسوف : لسنا تماما تحت سلطة قانون الحرب.لسبب بسيط : لانعيش حالة إعلان عن الحرب.إنها خاصية أغلب النزاعات الدائرة حاليا.فهذه الإعدامات المُرَتَّبة قد تشكل موضوع متابعة أمام المحاكم الدولية،بحيث قد يتابع هولاند بتهمة القتل.أعتقد أن حالات معينة تبرر إخراج الفرد كليا ونهائيا من المجتمع.توجهني فكرتان في هذا الإطار :الأولى،الفصل من منظومة الإنسانية وليس القِصاص.الثانية،أكثر عاطفية تمس التناسب .أفكر في الضحايا الأحياء الذين نجوا من الموت لكنهم أصيبوا بمضاعفات رهيبة.ألا يوجد عدم تناسب”على مستوى العدالة” بين أفراد تحطمت حياتهم،ثم آخرين يدمرون الحياة ويستمر تواجدهم؟بالتأكيد،هو بامتياز مجرد تساؤل أكثر منه قناعة.تصوروا معي،إصابة شخص بإعاقة دائمة مع شرْج اصطناعي تمسكه مسامير،ثم يتابع صلاح عبد السلام ينعم بتغذية وتزوج من زائرة للسجن متعاطفة؟.

*المحامي :اقتصرت أجوبتي لكم على القانون.أريد الخروج عن هذا السياق واستلهام الفلسفة.بعض الأفراد،يُستبعدون عن الإنسانية نتيجة تصرفاتهم.لكن مع ذلك يظلون بشرا ويبقى كل شيء ممكنا.استحضر جاك فيش Jacques Fesch المدان بقتله لشرطي خلال هجوم مسلح.ألَّف داخل السجن كتابا يعتبر اليوم أساسيا بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية،حدَّ درجة التطويب،منتقلا تقريبا من وضعية مجرم إلى قديس.لا أدعي القول بقدرة جميع هؤلاء على إصلاح ذواتهم.في نفس الوقت،لا أتجاهل أبدا جراح الضحايا،لكن ثمة هذا النور.فيما يتعلق بالتناسب، يقوم خطأ في الاعتقاد بوجود حاويات متصلة بين حزن الضحايا ثم الحكم الذي عوقب به المتهم.

*الفيلسوف :التناسب المتوخى من العدالة بالتشديد على الكلمة.هو مايجسده رمز الميزان.يجب على الأشياء أن تتوازن.

*المحامي :غير  أن الكفتين لا تتواصلان قط. فلا يوجد جهاز لحمل السائل من الواحدة إلى الأخرى.لا يكفي أن نضرب بشدة أيادي مرتكبي الجرائم كي نخفف من آلام الضحايا.لا تجري في المحكمة مراسيم المأثم،بل في المقبرة.

*الفيلسوف : نحتاج إلى إصلاح ميزان العدالة.

*المحامي : هل تعتقدون حينما يرى ضحية  مسؤولا عن مأساته قد صدر في حقه حكم بالإعدام،سيشعر أنه في وضع أفضل؟على العكس،ربما ساوره  شعور بالذنب لايحتاج إليه.

*الفيلسوف :آخر خلاف :لا أومن  بالافتداء. فهناك أشياء لاتُغتفر.

*المحامي : لم أقل بأني مؤمن بذلك،بل أريد أن أومن.

* الفيلسوف : أنا،لا أومن بذلك :كل إنسان يتحمل ظلمة ليله.

              

(1)هامش:

Philosophie magazine :numéro 116 ;fevrier2018 ;pp :10 – 15.

         

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *