خاص-ثقافات
*محمد فائق البرغوثي
أقصوصات
الرفيق ،،
هناك رجلٌ ثلاثيني أعزب، يعتدي بالضرب على كل أبٍ يعنفُ أبناءه ويسيء معاملتهم .
يتنكر أحيانا كباحثٍ اجتماعيٍ أو حقوقي، ويبحثُ في ملفات المحاكم وجمعيات حماية الأسرة، ليتصيدهم واحدا واحدا.
لقد قتل لغاية الآن ستة عشر رجلا وامرأتين، ولا يتذكر حقيقة عدد الذين اكتفى بالاعتداء عليهم.
ثمة طفلٌ يتبعه في كل موقع اعتداء، ولم يفته أي حادث. طفلٌ لا يتجاوز العاشرة من عمره وآثار الضرب بائنة على وجهه.
يعيش هذا الرجل في العاصمة القديمة، الجادة الخامسة، بناية رقم (26)، أما الطفل، فيعيش في مكانٍ قريب جدا جدا .. من ذاكرته.
نداء الأقدام ،،
ما الذي تفعله امرأة اعتادتْ أن تمشي على أطراف أصابعها كل ليلة، بعد نوم زوجها، متسللة إلى بيت جارهـما الأعزب، ما الذي ستفعله الآن وقد أصبحتْ أرملة وجارها الأعزب يبيت كل ليلة في سريرها.
أراها الآن تتسحب من السرير كلصة، تفتح باب البيت، تنظر إلى الفراغ الأسود، إلى الجدران والأبواب الموصدة، قبل أن تغلق الباب بقوة، و آراها الآن تحْملُ روحها وجسدها على أطراف أصابعها وتتجول في أرجاء البيت كملاك شريد فقد أجنحته.
ما الذي يُشبع رغبة امرأة أدمنتْ المشي على أطراف أصابعها سوى أن تصحو باكرا، تتحللُ من لباسها الثقيل وتخرج حافية، مستجيبة لنداء الطير في جسدها.
قد تتعثر قدمُها برجل غريب ووحيد، لايحب الخروج من البيت، أو قد يتعثر نظرها بلافتة؛ يبتسم لها ثغرها وهو يقرأ : أكاديمية الفنون الحديثة لتعليم الباليه.
المرآة ،،
ياله من رجلٍ وحيد ومذعور، كل شيء كان يبدو له غامضا ومريبا في تلك الليلة :
انقطاع الكهرباء المفاجئ، صرير الأبواب المتكرر، رغم أن النوافذ مغلقة والبيت خال. حفيف الخطوات الهامسة بين الغرف والخيالات؛ الخيالات التي كان يراها تتحرك خلف ستارة الحمّام، وهو يأخذ دُشا ساخنا.
عندما كُشف الغطاء عن بصره رأى ما لا يُرى:
رأى تلك اليد التي أنزلتْ قاطع الكهرباء، رأى جانبا من كتف الرجل الذي فتح الباب، الأقدام التي كانت تتنقل بين الغرف، و وجه الرجل.. نعم وجه الرجل كاملا خلف الستارة؛ إنه يشبهه تماما، وإنه الذعر والانزلاق المميت .
نون ،،
هناك امرأة تقف على طرف الشارع وتلوح للسيارات القادمة، لكنّ السيارات في الطريق الصحراوي لا تتوقف لأحد، تنتقل إلى الشارع المقابل وتلوح للسيارات المارة. لكن السيارات في الجانب المقابل لاتعير انتباها لأحد. السيارة السوداء التي ستمر بعد قليل تتوقف عند المرأة، وتسألها: أين طريقك؟ ستقول : لا أعرف. وأنت، أين طريقك ؟ أنا أيضا لا أعرف. تركن المرأة سيارتها جانبا، تقفُ محاذية للمرأة الأخرى، وتلوحان معاً .