شعر الاغتراب

خاص- ثقافات

*العربي الحميدي

جرح جوارح.
يسأل عن أوكاره والوكر واحد، بعد
أن تسللت إليه غربان وحدآن، غرة
في وضح النهار و الجوارح نيام.
لم تدعها زهورا تنمو لمزهرية تزهو
بها أركان.
في ضل الاغتراب والمعاناة يقف الأنسان حائرا بين العقل والواقع.  قد يعيش اغترابين ، غربة المجتمع وغربة المفاهيم ، في ضل هذا الاغتراب  وسطوته النفسية القاسية، تولدلت لديه دراما المتناقضات ، وهاته الدراما تؤدي به في غالب الأحيان الى فقدان التوازن العقلي والفكري، والانسياب وراء العبث االمحضور، وأخرى متزنة تنبثقت عنها قوة الحس الإنساني ،  كقوة حالمة متفاعلة ، و لغة شاعرية تعبيرية قوية.
فمهما كان الاغتراب نفساني  او هوياتي او ترابي ، فهو باب من انواع الابداع الشعري  و صهوته. فسلطة شعر الاغتراب لاتقاوم. لأنه ليس اختزال مشاعر و ظواهر إنسانية ، بل إكسير معاناة الروح. إنه رموز وشفرات ،  قد لا يفهمها ولا يراها الا من عاش حالة الاغتراب ولو جزئيا.
فلغته ليست اعتيادية بل رمزية ذات جوهر.
إذا كان شعر الاغتراب هو تلك الرؤية التحليلية للأشياء و الظواهر و السلوكيات ، فصدامه مع الذات يخل ما هو ثابت داخلها. لأنه يري الواقع من زاوية أوسع . إنه لا يحرق ولا يدمي ، بل يلقي رذاذ التساؤلات القلقة بلغة الاختلاف ، لا لغة الخلاف ، ويطرح الأسئلة للبحث في عمق الروح الإنسانية عن الأجوبة التائهة.  إنه ليس رؤية ذاتيه بل صورة معاناة نمط عيش يسرد بطريقة هادئة احيانا و أخرى هستيرية.
هاته الخاصية التي يمتاز بها  تتضح لنا إذا تفحصنا شعر المهجرفي مختلف العصور. فغالبا ما تبدو الاشعار من السطح غير سهلة وانسيابية. لإنها ليست  أشعار للغوص في أعماق النفس والفكر بسهوله. إنها تحتاج إلى تشغيل  الشعور ثم  السبح في بحر الاستنباط لإدراك المعنى المجازي. أنه ليس سردا عاديا لإشباع رغبة  جمالية شاعرية عابرة. بل لإنتاج معنى  استفهامي لما قد يحصل من متغيرات في الصورة أو المشهد المعاش بعد البحث في الظلال الدلالية للجمل التصويرية مع تقاطب الأمكنة  والأزمة ليوضح المشهد الضبابي.
فرغم هيمنة الحاضر يولد الماضي في الاغتراب ، وتستيقظ فيه الرغبة لمواجهة حاضره المعاش. فشعر الاغتراب هو الاكثر انغراسا في النفسية الانسانية ، و الأكثر اثرا في التحام الروح مع الذات عند المغترب. لأنه ميزان الحظة  الروحية والنفسية و العاطفية الذي تؤدي إلى السكينة بتقبل المتحول والثابت الى حين. وتعطي  الحرية الفنية الغير المقيدة بالقواعد في الكتابة ‘ ويعيد التركيبة التشكيلة التي تبدو مشتتة، بجرأة و بطريقة أذكى.

________
* كاتب من المغرب

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *