أصدرت الروائية توني ماغواير Toni Maguire سنة 2006 روايتها العجيبة “لا تخبري ماما Don’t telle mummy“، وقام الأستاذ والناقد الأدبي المغربي محمد التهامي العماري بترجمتها إلى اللغة العربية، وصدرت مترجمة عن المركز الثقافي العربي سنة 2008.
توني ماغواير كاتبة بريطانية، حظيت بشهرة عظيمة في مجال كتابة السير الشخصية، بعد نجاح روايتها الأولى التي نحن بصدد التحدث عنها. هذه الرواية التي تربعت على عرش الكتب الأكثر مبيعا في المملكة المتحدة سنة 2007، مما شجع الكاتبة على إصدار جزئها الثاني الذي عنون بـ “حين يعود أبي إلى المنزل When daddy comes home“.
مأساوية أحداث الرواية/ الواقع.
رحلتنا مع هاته الرواية- التي أثارت ضجة في مواقع التواصل الاجتماعي- ستكون شيقة ذات طابع مأساوي، تكشف المحظور وتقحمنا في غياهب الواقع الخبيث، حيث إننا سنتخلص من كياننا لنعيش مع توني ماغواير أحداثها الواقعية المريرة، أحداثا مؤلمة تجعلك فاقدا للثقة في الناس حتى المقربين منهم، لتجعلك تتساءل: أحقا يوجد بشر دون ضمير؟ أشخاصا كان من المفترض أن يكونوا عونا لكنهم سبب كل العذاب والهوان!؟
الروائية الشجاعة توني تطلعنا في روايتها أو سيرتها الذاتية إن صح التعبير، على أحداث طفولتها المغتصبة، طفولة مريرة قاسية روتها لنا بمصداقية واضحة في كل سطر، تشعرك بتواجد واقع نتفادى رؤيته. سُردت أحداث الرواية بلغة سلسة وبأسلوب سهل ممتع..
تحدثنا توني في روايتها عن طفولتها التي كانت تنعم فيها بالأمن والسلام داخل كنف أسرتها الصغيرة، أمها روث وزوجها الجندي بيدي، الذي تكبره بخمس سنوات.
بيدي هذا، رجل وسيم متغطرس سيقلب حياة ابنته رأسا على عقب، بعد انتقالهم إلى منزل في إحدى الأرياف، هذا المنزل الذي سيشهد على اعتدائه على توني/ انطوانيت منذ أول يوم لهم فيه، ليجعلها تكشف عن جانب الأب الشرير.
لقد حدث أن قبلها ذات يوم بحميمية، وأرغمها على كتم الأمر، غير أن انطوانيت ما لبثت أن قصت على أمها ما حدث، فهي تقول “ومع ذلك أخبرتها، كنت أثق في حبها، وأعلم أنها تبادلني الحب نفسه، وبذلك ستطلب منه ألا يكرر فعلته ثانية، لكنها لم تفعل”[2]، بل إن الأم نهرتها، ومن تم بدأت في إهمالها من كلا الجانبين، المادي والمعنوي، وغالب الظن أنها فعلت ذاك كي لا تثير توني إعجاب أبيها، فروث كانت مهووسة بزوجها حد الولع والجنون، وفكرة أنها تكبره سنا كانت تؤدي بها إلى الغوص داخل دوامة الشك، لتترك انطوانيت تكتشف معنى الوحدة والتعاسة منذ نعومة أظافرها..
تفاقم مأساوية الأحداث
مرت سبع سنوات عجاف على انطوانيت، قضتهم في اعتداءات يومية متكررة من طرف أبيها، في تعاسة وحزن دائمين. كما هو متوقع، كانت لتلك الاعتداءات نتيجة مأساوية أخرى، فقد حملت انطوانيت من أبيها وهي في الثالثة عشر من العمر.
تلقت الأم هذا الخبر ببرود تام، كيف لا وهي تعلم بمقدمات النتيجة علما واكبته وشجعت عليه بصمتها!، لم تحرك ساكنا وهي تقول “من الأب! .. لا تخفي عني الحقيقة يا انطوانيت فلن اغضب؛ بابا … وأجابت الأم: أعرف”[3]
عمدت الأم إلى تفعيل قرار قيام انطوانيت بعملية إجهاض، هذا الذي فعلته الصبية بعد انقضاء شهرها الثالث من الحمل. كاد ذلك أن ينهي حياتها، علاوة على أنها لن تحصل على نعمة الأمومة بعد ذلك اليوم المشئوم.
تم الحكم على أبيها بعد اعترافها للشرطة بكل أفعاله الشنيعة بأربع سنوات في السجن، لتتخلى عنها حينئذ عائلتها، لتدخل دوامة الإدانة الاجتماعية وهي في حالة حادة من الاكتئاب جعلتها تفكر في الانتحار مرات عديدة…
بوادر خير مفقود
استطاعت انطوانيت بعد مصارعة واقعها المزري ولوج سوق العمل، لتعمل كنادلة ثم وكيلة رهن، لتنجح في عملها الأخير بفضل تحليها بالصبر وإيمانها القوي بالحياة . وختمت توني روايتها بنهاية مريرة ككل حياتها، إذ غفرت لأمها، التي لم تعترف بعد بخطئها، بعد أن صارت طريحة الفراش جراء مرضها بالسرطان الذي رمى بها في بؤرة الموت، على عكس الأب الذي لازال على قيد الحياة، لترينا توني أن الشر يبقى أحيانا، بل ينتصر..
خاتمة نقدية
من خلال قراءتنا لأحداث هذه الرواية، ينكشف لنا سواد بعض النفوس البشرية، ونرى الملائكة تعذب دون رحمة…، توني تجسد الوردة التي كان من المفترض أن تحظى بالرعاية والاهتمام لتتفتح وتنشر رائحتها الزكية في الكون، إلا إن ذاك الذئب البشري الذي لا يستحق نعته بالأب، يقطفها قبل الأوان ويدسها بكلتا رجليه الخبيثتين، فتذبل بينما أمثالها من الورود تنمو في أمن وسلام…
توني الصغيرة كانت أشبه بتلك الوردة، إذ تلقت أبشع مصير داخل تلك الأسرة المكونة من ذاك الذي تجرد من غطاء الإنسانية وأم غريبة الأطوار، فما كان لها أن تترك ابنتها الوحيدة بين يدي ذاك الوحش، لقد تغاضت عن ذلك باسم الحب والهيام، لكن الحب ارحم من آن يقبر ملاكا، علاوة على كون الأمومة نوعا من الحب يعلو درجات من ذاك الذي تشبثت به.
ترعرعت توني، لسوء الحظ، داخل بيت يكتسيه الجمود ويغيب فيه الحنان، وما كان لها أن تكسب شيء في تلك العتمة الباهرة غير تعاطف القراء، وذاك بعد كتابتها لهاته المرثاة الواقعية، هاته الرواية القاسية ومؤثرة لأبعد حد، لكونها في الأساس تحتوي على وقائع ليست من ضرب الخيال، بل حقيقية واقعية…
من ثمة يمكن اعتبار الرواية كتابا توعويا بامتياز، لأنه يسلط الضوء على أفات يعاني منها المجتمع عموما. فتوني فجرت مكنوناتها في كتابة الرواية. أ فسنبقى نحن إذن مكتوفي الأيدي نقرا ونتحسر أمام مآسي الواقع الاجتماعي؟ قطعا لا ينبغي أن نبقى كذلك، فكما يقال “الظلمليسفيشرالأشرار،بلفيصمتالأخيار”.
___________
[1] شيماء يمني، ناقدة وقارئة روائية، من منطقة ماسة- المغرب.
تعليق واحد
تعقيبات: club de lecture Larache