مجتبى سعيد: «الظلام» منعطف مفصلي في تجربتي السينمائية

شارك المخرج السعودي مجتبى سعيد بفيلم “الظلام هو لون أيضاً” في مهرجان دبي السينمائي، الفيلم الذي صور بالكامل داخل الغابة السوداء بألمانيا، دفع صحيفة ألمانية للتساءل حول مدى قدرة مخرج سعودي “قادم من الصحراء” على تقديم فيلم مقنع حول الغابة، لما تحمله هذه الغابة من أهمية في وجدان الشعب الألماني. بالمقابل، كشف الفيلم عن اشتغال بصري مغاير ومتطور في تجربة مجتبى سعيد، الذي تحدث لـ”الرياض” عن هذه التجربة وتفاصيل ما وراء صناعة الفيلم عبر هذا الحوار:

  • كمخرج سينمائي سعودي، كيف تصف تجربة تصوير فيلم روائي في الغابة السوداء بألمانيا؟

  • إن تخوض تجربة سينمائية في الغابة الألمانية ليس بالأمر السهل إطلاقاً، وذلك لما تعنيه الغابة للمخيلة والثقافة والإنسان الألماني. بالمقابل أساتذة معهد السينما العالي الذي أدرس فيه، كانوا متحمسين لمعرفة ماذا يريد أن يقول مخرج سعودي عن الغابة الألمانية، هذه الغابة التي كتب عنها الشعراء والأدباء والفنانون طول تاريخ ألمانيا. والمفارقة أن صحيفة المنطقة التي صورنا فيها الفيلم نشرت تقريراً اختتم بسؤال يقول: “هل يستطيع ابن الصحراء أن يصنع فيلماً منطقياً ومقنعاً عن الغابة؟”.

  • كم استغرق العمل على الفيلم؟

  • أكثر من نصف عام، سبقت تصوير الفيلم، كانت عبارة عن بحث ميداني في الغابة، بصحبة صيادين أخذوني إلى أماكن مجهولة هي أشبه بسر من أسرار الغابة السوداء، وبدأت دراسة حالة الإنسان داخل الغابة بمفرده، مستنداً أيضاً لمراجع كثيرة. كنت محظوظاً أن مصور الفيلم يعيش على أطراف الغابة وكان هذا مثمر جداً. بالنسبة لمدة التصوير فقد استغرت11 يوماً، كنا فيها منعزلين داخل الغابة السوداء، فضلاً عن أن أماكن صورنا فيها تقع تحت مواقع المحميات الطبيعية الألمانية، حيث يمنع فيها دخول السيارات والمعدات الثقيلة. التجربة كانت غريبة لطاقم العمل الألماني بأن يعمل في منطقة معزولة عن البشر وهذا ما دفعنا أن نكون قريبين جداً من بعض خلال أيام التصوير.

  • بعد سنوات من الدراسة والعيش في ألمانيا، كيف نظرت للغابة؟

  • حاولت النظر إلى الغابة الألمانية بعين كونية، هذا المكان الذي عندما تكون في منتصفه ولا تستطيع أن ترى شيئاً فيه، بسبب الأشجار الكثيفة التي تسبب انعدام الرؤية، ما يشعرك بالضغط، فأمامك ليس جدار واحد، بل مليون جدار، بخلاف عندما تكون في الصحراء، المكان الممتد في النظر. ثقافياً، كانت الغابة مكاناً مقدساً عند القبائل الجرمانية القديمة، ومنذ وصولي إلى ألمانيا قبل 11 سنة، لاحظت هذا الاتصال الغريب بين الألمان وعالم الغابة، ولم أفهمه إلا عندما توغلت أكثر داخل عوالم الغابة الألمانية. وحتى ولو كبرت المدينة، لابد أن تترك قطعة من الغابة بداخلها، فهي أشبه بمكان لاستعادة الذات الجمعية الألمانية.

  • ماذا عن الممثل البطل وطبيعة دوره في الفيلم؟

  • أولاً اختيار الممثل تم بعد اختبارات “كاستينغ” لثلاثة ممثلين، اخترت هذا الممثل الذي أحسست أنه قريب من الفيلم، بعد أن التقينا في برلين وتحدثنا حول النص الذي قرأه جيداً وأحبه، الممثل أدولفو آسور، وهو ألماني من أصل تشيلي، لديه مسرح خاص ببرلين. أتذكر أن أدولفو، اتصل بي، قبل أن يتم اختياره للفيلم، وسألني بحماسة تشبه حماسة وجدية بطل الفيلم، هل صادت السنارة؟. وأخبرني بأنه وجد أموراً كثيرة موازية بينه وبين النص، يقصد حول دوره في الفيلم، وفعلاً أخبرته بأنه سيقوم بالدور، علماً بأن ممثلين آخرين اعتذروا للجهد الكبير الذي سيبذل في أداء الشخصية. هذا الممثل عمره 74 سنة وعمر الممثلة التي شاركت معه في بطولة الفيلم 82 سنة.

أما عن طبيعة حضوره في الفيلم فهو يعيش معركة وجودية، حتمية، مستمرة، وهي المعركة التي يقاتل فيها الإنسان مع طبيعته، وهي الطبيعة البشرية الآيلة للفناء، وبالتالي هو يفعل كل ما هو ممكن ليقاوم هذا الفناء الحتمي، المتجسد في تقدم العمر، من خلال رفض إخفاء زوجته لأسلحة الصيد، وكصيّاد، يكون تعبيره هنا بأنه لا يعترف بالهرم، بل يصر على التسلح ودخول الغابة متعالياً على مأزقه الفطري الطبيعي والجسدي، بأنه كبر في السن.

  • ماذا عن تجربة العمل مع ممثلين كبار في السن؟

  • الأمر يحتاج إلى إحساسٍ عالٍ بالمسؤولية، من أجل التفاهم معهم وخلق سبل الراحة لهم خلال التصوير. أدولفو كان شخصية مغايرة، تذكرني بالممثل الألماني كلاوس كينسكي، في انفعالاته، حتى بعد أن تدور الكاميرا. وأتذكر عندما وصل أدولفو لأول مرة إلى الغابة، للتصوير، دخل للكوخ الذي بنيناه، وطلب منا جميعاً أن نتركه لوحده، عدنا له بعد ساعة من الصمت، فباح لنا بأن هذا المكان ذكره كثيراً بطفولته، في مفارقة لا تحدث إلا نادراً. خصوصاً وأن هذا الممثل ابن الغابة التشيلية التي عاش فيها طفولته. لذلك كان أكثر حيوية من الأشخاص الموجودين، كان يقفز من شجرة إلى أخرى!.

  • ماذا عن الصعوبات التي واجهتك؟

  • التحرك في الغابة بطاقم العمل كان متعباً جداً، بأن تقطع مسافة قصيرة تحتاج بضع دقائق بالسيارة، لكنك ستحتاج إلى أربع ساعات لتقطعها داخل الغابة. أيضاً التعامل مع حيوانين حقيقيين هما “الكلب والثعلب” وهما أيضاً ممثلان محترفان!، وكان لهم أدوار في الفيلم، كان ذلك صعباً جداً استدعى منا إحضار مدربين، أيضاً الاعتماد على الحركة، والابتعاد عن الديالوغ، والتعامل مع ممثل واحد. أجواء الغابة المتقلبة استدعت المرونة والخفة، والتكيف مع الوضع المتحرك.

  • بين أفلامك أين يقع هذا الفيلم؟

  • بلا شك “الظلام هو لون أيضاً” بمثابة منعطف مفصلي بين جميع الأفلام التي قدمتها. هو تدشين لمرحلة جديدة بعد سنوات من العمل.

  • لنختم مع العنوان اللافت للفيلم “الظلام هو لون أيضاً”؟

  • استلهمت العنوان خلال فترة كتابة النص، وجاء مصادفة، حيث وصلتني نسخة من كتاب “أيها الفحم، يا سيدي” موقعة من مؤلفه الشاعر البحريني قاسم حداد، والذي عرفته عن قرب قبل سنوات خلال إقامته الإبداعية في برلين، المفارقة أن النص المعنون بـ”الظلام لون أيضاً” في الكتاب الموقع، كتبه قاسم حداد خلال إقامته في شتوتغارت، على أطراف الغابة السوداء!. وقتها كنت أكتب الفيلم وألهمني نص الأديب البحريني الكبير، كثيراً، فاخترت عنوان النص، عنواناً لفيلمي.
    ________
    *جريدة الرياض

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *