خاص- ثقافات
*سيومي خليل
جلَست تحت قدميه واضعةً رأسهَا على ركبتيه الهزيلَتين . كانَا معا يسْمعان صوت خشخشَة أوراق السرخس وهي تُداس بفعل أقدَام ريح خفية . الكوخ الذي بَنَاه حين تعرف عليهَا في قلب هذه الغابة الغريبة لا يمكن لأحد أن يَنتبه إليه أبدا ، ورغم ذلك كانت دقاَت قلبهمَا تَزداد كلما سمعَا خَشخشة السرخس أكثر.
من تُراه هناك ؟
لاشَك أنها الريح تريد أن تُفاجئنا .
الريح لاَ أقدام لها ، والسرخس يداس بفعل أقدام خَفيفة الثقل .
من قَال أنّ الريح لا أقدَام لها ، إن لها أجمل الأقدَام الممكنَة ، ولها أسْرع الأقْدام ، وأخفها .
نظرت إلى عينيه الصّغيرتين والحزينتين دائمَا ،والتصقت بركبتيه أكثر .مَازالت أوراق السرخس تصدر صوتها الذي يشْبه أنينَا مَخنوقا ، وتُرسله عبر مجموعة من سعاة البريد إلى كل العشاق المنزَيون في أركَان الأكواخ الباردة . فجأة تَوقف صوت أوراق السرخس .
ها ..لقد توقف .
لا ..لقَد توقفت أقدام الريح ، لما لاَ تصدقين أنها مجرد ريح حبيبتي .
رفعت سبابتها إلى شَفتيه ونزَلت إلى الرقعة التي يوجد تحتها قلبه العليل ، شَعرت أنّ دَقاته متسَارعة أكثر ممَا اعتَادت عليه ، وضعتْ كفها برفق ، وتَخيلت أنها تسحبه من مكانه وتضعه في أبعد مكان داخلها .
لما قلبك يهتز كَعُصفور صغير ؟
هذا حاله كلما شعر بأنّ الريح سيظهر لها قَدمان .
لم تفهم مَاذا قصد ، ولا اهتمت أنْ تَفهم . يكفي أنّها معه .. هنا ، حيثُ يَجلس على كرسي عاريا وتَظهر تلة فينوس متدلية كحبة عنب منتفخة . هذَا ما يُثيرها أكثر ؛ أنْ تلتَصق بركبتيه وتتلمس تلة فينوس تلك، وتَنْظر في عينه الحَزينتين ، وتسأله كل مرة عن كل تلك الورود التي ذبلت على التلة.
تعرفا على بعض بشكل خَاطئ تَماما . هي كَانت على موعد غرامي مع أحد المارين على محطاتها الكَثيرة . وهو كان ينْتظر أي قطَار يمر سريعا ليعتليه . توافقَا في لحظة لا تحفظ تفاصيلها الذّاكرة ، كل ما في الأمر أنّها سَألته كم المدة التي وقفها منتظرا القطَار . أجَاب لا أدري … ثمّ رأى في عينيها ذلك الانكسار الذي يصيب أعين العذَارى حين لا يفي عشاقهُنّ بالمَواعيد . بعدها لم يعرف كيف أصبح هو عَاشقها ،بل لم يعرف كيف ارتَبَط بسيدةَ متزوجة .
أنا متزوجة .
بحلق حين سأَلها بعد أول جماع بينهما عمن تكون :
أنا متزوجة …
هكَذا قَالت بهمس رقيق .
أبعدها عنْه قليلاً وبدَأ يَنظر إليها مستغربا ، لامست تلة فينوس كأنّها رَوضة تُريد أنْ تكتشفها بمسَام سلامياتها الهزيلة .
أنا متزوجة دُون زَوج ، لمْ أرَه ، ولا عَرفته ، قيل لي سأتزوج ، فقلت لهم َسأتزوج ، في ليلة العُرس حضَر الزوج ، لم يلبث إلا قليلاً ، لمْ يَلبث إلا الوقت الذي فَجر فيها أحشائي ، وبعدها غاب كأنّه لمْ يكن ، كانت هناك سلة ما تمّ بيعها في ليلة العُرس ، وأنا إلى الآن مَازلت انتظر هذا الزوج أنْ يأتي .
أشار بَرأسه بعد كلامها الطويل وأدمن عشقها بعد ذَلك ، بنى كوخَا بَعيدا في هذه الغابة الغريبة التي يَسكنهَا لوحده .
هنا سَنلتقي ، أنت تنتظرين الزوج أن يأتي ، وأنا أربي الحمام ليفرخ في قلبي .
ضحكت وهي تَرى كوخهما الجميل ،كان أجمل من ذلك البَيت المفترض الذي كانت تشرع في بنائه مع زوج غريب .
التصقت أكثَر برُكبتيه حتى لامس ذقنها تلة فينوس حين سمعت من جَديد صَوت أوراق السرخس . بدت الخُطوات هذه المرة واثقة ومصممة على الوصول إلى الكوخ المغلق بضرفة قصديرية هشّة . الخُطوات تَتَتالى كصف من التّلاميذ المُنضبطين ، وصوت أوراق السرخس التي تغطي كل المسَاحة التي تحيط بالكوخ يزداد كأنَّه مذياع يقترب أكثر . قَلباهما معا بدأا يهْتَزان كأنها فرخان صغيران لطائر الشحرور .
هل مَازلت تظن أنها أقدام الريح ؟
نعم ..هي أقدام الريح دائما ، كل ما في الأمر أنّها سَتستبدل نفسها بأقدام أحد الفضوليين المقتَحِمين لخلوتنا .
لا أفهم غَرابتك ، لكني أحبك.
ألتصقت أكثر بتلة فينُوس ، بدا الجبل فوق التَّلة صغيرَا بفعل تقلص شرايين الدماء فيه ، بدا كأنه فأر يَرتع غير عابئ فوقَ تَلة فينوس التي انتفخت أكثر ، أو ربمَا كَان هذا هو انتفاخهَا دُون أن تلاحظ ذلك . انتبهت لأول مرة أنَّهما عاريان بشكل فاضح ، وأنَّ أي صَوت من أصوات أوراق الشجر كيفما كانت لن تنجحَ في اعادتهما إلى حشمة الثوب . تعمدت أنْ تَلتصق أكثر ،دخلت بين ركبتَيه ،وبدا ثدياها كأنهما رمانتين صغيرتين نافرتين من حَائط مَشروخ .
هل أنت خَائف ؟
لا أبدا ..كل ما في الأمر أنّ الريح حين تتحرك بقدميها الخَفيفتين ، علينا أن ننتظر ماذا سيحدث بعدهَا .
كضَمت ضحكة ساخرة ، وأرَادت أن تقول شيئا ، لكن فجأة انفتَح الباب ، ودخل نور الشمس سَريعا كأنّه طفل صغير يلاحقه طفل آخر ، انعكس النور على أعينهما الواجفة ، وازداد اهتزاز قلبيهما ، حاولا أنْ يَتبينا منْ وراء النور لكن لا أحد ظَهر، وظل النور في مكانه . تنفسا معا الصعداء .
لا أحد ..إنّها فقط الريح كما قلت .
ردتْ عليه هي محتجّة .
لا ..إنَّه زوجي الذي غاب قبل أن يظهر .