تقدم الشبكة العنكبوتية مجانا كتابا مترجما الى العربية بعنوان “تصرفي كسيدة وفكري كرجل”، والذي يدعي كاتبه ستيف هارفي انه ” يُعرِّف ستيف النساء على عقلية الرجل ويلقي الضوء على الكثير من المفاهيم ويجيب عن العديد من الأسئلة” لما يسميه “عجز النساء القادرات على إدارة المؤسسات التجارية عن فهم ما يحرك الرجل عندما يتعلق الأمر بالعلاقة معه”.
ان هذا العنوان بالإضافة الى قولبة المرأة وتنميطها في اطر وسلوكيات محددة مبنية على تمييز قائم على الجنس، فانه يعتبر امام الحديث المغلوط عن نصف العقل يعتبر كارثة فعلية، فهو ينكر قدرة عقل المرأة بالكامل على معالجة الامور او تقديم الحلول فيما يتعلق بادارة علاقتها مع الشريك تحديدا، وينسب الفشل في منظمة العلاقات للنساء الناجحات في ادارة الاعمال الى خلل في تفكيرهن وتصرفاتهن مستندا الى تفوق عنصري مبني على النوع الإجتماعي، ويفترض الحاجة الدائمة للمرأة الى الرجل، دون اعتبار لحاجته هو او لضرورة تغيير فهمه وسلوكه تجاه امرأة ناجحة، ويقترح اطرا لسلوكيات المرأة قائمة على تفكير ذكوري لا يعكس شخصيتها او حلمها او واقعها، فكيف تقول لنافورة عليك بالقناة وكيف تقول لمصارعة فقدت أنوثتك وعليك بارتداء تنورة او عباءة حتى تبدو تصرفاتك اقرب لامرأة وكيف تقول لامرأة معيلة تعاني البؤس احملي كيس الطحين برقة واحذري ان ينكسر كعبك، وكيف تقول لامرأة أنهكها العمل على ماكنة خياطة، فكري كرجل وانظري الي برقة وبأعين مغمسة بالايلاينر، كفي عن البرود وكوني امرأة.
ان الواقع الاقتصادي والاجتماعي وتعدد المرجعيات التفسيرية التي تسترشد بالعادات اكثر من جوهر الاديان وبالفكر المنقوص بدل المنطق وبفكرة التمييز القائم على النوع الاجتماعي بدل الفكر الانساني الناضج وواقع العنف الفكري بالإضافة الى منظومة عنف وقمع جسدي ونفسي انتقاصي ضد النساء واقع قائمٌ، ولا يعتبره هذا الكاتب ولا غيره سببا وجيها لخسارتهن الطبيعية لأنوثة مفترضة او فكرة متخيلة عن ماهية الأنوثة، وحيث لا أحد يسأل النساء رأيهن في تعريف الأنوثة ولا أحد يصغي الى حلم يشكل شخص المرأة وشخصيتها وأنوثتها.
أذكر امرأة احضرها رجل، وأقول أحضرها بالفهم المباشر لكلمة زواج في مجتمعاتنا، من الشام زوجة وأما، كان الرجل/ الزوج يضربها باستمرار حتى فقدت عقلها، كان هذا الرجل يطلب اليها عندما تثور من ألم ان تتصرف كامرأة، وان تتحدث بصوت خفيض كامرأة وان تبكي بصمت كامرأة وان تبدو كرجل. كانت السيدة الجليلة، التي جُنت، تجلس الى النافذة وأمامها كومة أحجار، نوافذ البيوت العتيقة أماكن مريحة للجلوس وفضاء مغلق بقضبان حديدية متشابكة، تلقي الحجارة على العابرين بصمت. كانت امرأة مجبرة على ان “تفكر كرجل وتتصرف كامرأة”، ففكرت كامرأة وتصرفت كرجل.
قبل عشرين عاما، وفي بلدة عنبتا الكرمية، عملت ثلاث نساء بالبناء، كن سيدات بناءات يحملن الطوب ويقمن الجدر للآخرين والأخريات وكن بارعات كما حكى الراوي، وحين ماتت كل الاعتياديات صاحبات العباءات والحجب والبيوت العاليات، ظلت سيرة البناءات الثلاث حية وتُحكى لنساء فكرن كنساء وتصرفن كنساء في منظومة تبنى حول التمايز القائم على عدم الاخذ بخصوصية الحالات او فردية الشخصية او الحلم البعيد عن واو الجماعة.
في قصيدة “كأن الفراغ أبي” قلت “والنار أنا”، يحضرني تساؤل امام العناوين الماكرة، من الذي يجرؤ ان يحدد للنار وجهتها، من يقدر على ان يحكي عن النار سرها، من يملك عقل النار ويقدر ان يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، من يجرؤ ان يقرر للنار شكلها ولونها وان يستبدل طبيعتها؟
إنَّ تحويل النساء الى جيوش متشابهة التفكير واللباس وتحديد طرق تفكيرهن، يفرز بالمحصلة سقوطا قيميا ومجتمعيا، فإذا كانت المرأة مطالبة بالتفكير كرجل، فلماذا تحاسب كامرأة مع رفضي الكامل لمبدأ عدم محاسبة الرجل، وهو المبدأ الذي يمارس بشكل مزدوج قائم على التمييز الجنسي، ربما أكون أرفض مبدأ المحاسبة المجتمعية كله تمهيدا لمبدأ فرض المحاسبة القانونية فقط، ربما تحولنا الى مؤمنين حقا. ما زالت قصة ريحانة حباري شاهدة عن شيء كثير، أكبر من هذا النص.
البناءات الثلاث قصة حقيقية، والنار قصة حقيقية، والتمييز بناء على الجنس حقيقي أيضا، هناك وعي جمعي يصوغه رجال وتحميه نساء يعتقدن أن أفكارهن عنهن، افكارهن العنصرية الساذجة التي تقلل من شأن اجسادهن وفكرهن وعملهن وحيواتهن، مقدسة، تلك الافكار التي يحتاج تغييرها الى نسف كامل لوعيهن، بالديناميت ربما، وحتى تكف المرأة عن أن تمارس دور المحامي عن الموروث الذي يهينها ويطوقها ويحجمها.
والآن، ماذا يحدث عندما يفكر رجل؟ يقدم كتابا يحمل هذا الاسم كما نرى، ستيف هارفي، المؤلف، رجل يفكر كرجل ويتصرف كرجل، ولا اعتقد جازمة ان طريقة تفكيره تدعو للفخر مطلقا. وبعيدا عن مناقشة موضوع الكتاب الذي لا يعنيني بالمطلق، فان قدرا كبيرا من الدهشة يصيبني حين اتحدث عن دار نشر تقبل بتكريس هذا السقوط ومترجمون يتصدون لنشر هذه المقولات الناقصة فيما يتم تهميش ترجمة الكتب الاكثر التصاقا برفع الوعي وتطوير العلوم والفكر لصالح تكريس ثقافة الهبل.
ما أريد قوله هو أنني أفكر كامرأة وأتصرف كجنتلـ(مان)، هكذا أرى الأنوثة، هكذا أصنع نفسي وأتمايز، وافتخر بهذا وليس يلزمني أن أفكر مطلقا كأي شئ آخر، ولا الافتراضات ذات العلاقة.