ظلت الفتاة التي كبرت بين أشجار الكرم الشوكي وصوت قوقأة الدجاج ونباح الكلاب الهزيلة تنتظر عودة القمر إلى نفس حالته التي تبدت لها في أحد الليالي. تخرج كل مساء حاملة كأس شاي بارد ، وتجلس تحت شجرة عنب متفرعة الأغصان ، وحبات عنبها متدلية. تقتعد جزء من طوب بناء إسمنتي ، وتوجه عينيها جهة القمر ،تظل الليل كله هكذا دون أن تقوم بحركة، تصير أطرافها أطراف منحوتة صخرية تقوم بين الفينة والأخرى برشف رشفة طويلة من الشاي.كل مساء تتجمع الكلاب قربها ويتوقف نباحها تماما. لم تفهم العائلة التي تتكون من أب هده تدخين الكيف وأم صلبة كجلمود صخر وأخت صغرى كانت ترى في هذه الجالسة نجمتها الكبرى ما الذي يحدث في دارتهم البدوية ، فالابنة الكبرى صاحبة العقل والحكمة ، ودون سبب واضح ، باتت تظل الليل كله تنظر إلى القمر . حين ازدادت المساءات عددا، وتعمق صمت الابنة الكبرى ، استدعى الأب أحد الفقهاء ليرى ما يحدث. ما إن دخل الفقيه إلى غرفة البنت المنظمة بشكل دقيق حتى هاجت عليه قائلة ؛اخرج أيها المخرف فليس هناك أي جني يسكنني إني أنتظر عودة القمر .أشاع الفقيه جنون البنت في المنطقة كلها ، البنت التي كان لها جمال يجلب الخطاب المرفوضين دائما صارت مجنونة، ولا أحد من أولائك الذين فكروا أن يطلبوا يدها قام بالأمر .اغتمت الأم وفكرت أن تنتظر مع ابنتها القمر ، بدأت ترافقها في رحلاتها القمرية تلك دون أن تقول لها شيئا أو تنهيها عن عملها ، فلاشك أن البنت الرزينة لا تنظر إلى القمر عبثا . لقد صار في تلك الدارة البدوية سيدتين كاملتي الحمق…هذا ما قاله الرجال، وما آمن به الأب الذي انهد أكثر كأنه لعبة من ورق ، صاح وضرب زوجته وابنته لكنه لم ينجح في ثنيهما عن مراقبة القمر ، ولم يفلح في إعادة زوجته إلى حلفه الذي صار لا يضم إلا الفتاة الصغيرة . في إحدى المساءات التي تجمعت فيها السيدتين تحت شجرة العنب دخلت بعض النعاج الغريبة ، كانت أكثر من عشر نعاج لها شكل لا يشبه النعاج التي يربيها فلاحو هذه المناطق . جلست النعاج قرب السيدتين والكلاب التي لم تنبح كعادتها حين تجلس مراقبة القمر ، بدأت النعاح تجتر في آمان واضح . في الصباح وقبل أن ينبلج الفجر وتعود السيدتين إلى داخل الدارة دخل عجوز يصيح على نعاجه ووراءه ابن تائه النظرات. قال العجوز؛ لقد استقرت نعاجك هنا ياولدي وبختك حط في هذه الدار ، ولاشك أن تلك الفتاة هي من حلمت بها تنتظرك .