الموسيقى السعيدة تنبعث من القاعة الصاخبة.
أجلس في مكاني وحيدة، أهزّ أرجوحتي… وأنتظر. أمدّ نظري إلى السماء، فيلوح منها الحزن. الليلة باردة، والعتمة في كل الجوانب شائعة. البرد يلتف حول عنقي، يخنقني. تتصعد من نفسي زفرة أليمة، وفي خاطري تتشابك أفكار كثيرة، تمزق روحي، تقطعني أشلاء.
صورتك وأنت معها أمام عينيّ ماثلة، ترقصان… تضحكان… تفرحان… لا تلتفتان. تلك هي صديقتي التي عرفتك عليها بنفسي قبل أقل من شهرين، دون أن يخطر ببالي ولا للحظة أنها ستخطفك… أم أنك أنت الذي خطفتها؟
أنا التي أحببتك بكل جوارحي وتنازلتُ عن كل شيء من أجلك… تنازلتَ عني بكل بساطة ورميت مشاعري بسيف الألم والخذلان.
حطّمتني… إذ قلتَ لي: «الزواج قسمة ونصيب. ستجدين من يحبك أكثر مني».
وأنا لا أريد غيرك أن يحبني. أريدك أن تكون معي في كل لحظة، تمسك بيدي، أنظر إلى عينيك، فأرى جمال الكون فيهما، أتوه في عالم جميل، بعيد، أسمعك تقول لي أعذب الكلمات، وتضمّني إلى صدرك فأشعر بدفء روحك وأسمع نبضات قلبك تناديني.
ولكن… أنت لم تحبني. أعرف الآن أنك لم تحبني. حبك كان مجرد وهم وكلمات.
لا أريد أن أفكر بك، ولكن، أفكر بك في كل لحظة، أتخيّلك معي في كل لحظة. صورتك تأبى أن تفارقني، تخترق حواسي وتُحرق جوارحي.
أحاول عبثا أن أطردك من عقلي وتفكيري، أن أنتشلك من داخل قلبي… ولكن، دون جدوى.
أحاول أن أكرهك… دون جدوى. شيء ما أقوى مني يسيطر على كياني وكل حواسي، يجرفني إليك ويقتلني الشوق لسماع صوتك.
«عليكِ أن تنسيني.» قلت لي أمس على الهاتف وأنا أشكو لك حزني ووجعي. «أرجوكِ أن تنسيني وافرحي من أجلي ومن أجل صديقتك. لو كنتِ تحبيننا أرجوكِ أن تفرحي من أجلنا فنحن الاثنان نحبكِ ونتمنى لك كل الخير والفرح».
ثم ودّعتني… وغرقتُ في الدموع من جديد.
أتساءل: أهذا هو قدري؟ أن أعيش طوال حياتي في العذاب والحرمان؟
جالسة في مكاني… وحيدة، والقلق يسري تحت جلدي، وسياط الغيرة تلهب جسدي وتحرق دمي. لا شيء في الليل يعين على الحزن. المرارة تتعمق في صدري. ليلة حالكة غاب فيها ضوء وجهك، واجتاح الفراغ حياتي. أجلس في مكاني… أنتظر، والدقائق تمر بطيئة كألف عام.
لا أعرف ماذا أنتظر، ولكنني ما زلت أنتظر… أهزّ أرجوحتي… وأنتظر.