النفس عند أرسطو جوهر، لكنها جوهر ذو أنواع مختلفة، فقد تجدها بخلاف ما يظهر عليه حال الشخص نفسه، فكثيراً من نجد الإنسان يظهر عكس ما يبطن خيراً كان أو شر، ومن هنا انقسمت النفس البشرية إلى أنواع عديدة منها الحسن ومنها القبيح واختلف كثيراً من الناس حول تعريفها فمنهم من قال إنها الروح ومنهم من قال إنها الهيئة الجسدية ونحن مع الرأي الأول ونرجحه. فمن أقوال الحكماء:
لا تألُفُ الرّوحُ إلاّ من يُلاطِفُها
ويهجرُ القلبُ من بالصَّدِّ يلقاهُ
فلا وِصَال لمن بالوصل قد بَخلوا
ومن تناســى فـإنّا قـد نســيناهُ
فطبيعة النفس البشرية قد يأسرها الطمع أو الحقد أو الحسد وقد تجدها سوية تؤثر الآخر عليها وتراعي ما حولها أكثر مما تراعي نفسها فاختلاف النفس كاختلاف فصول السنة من ناحية المناخ، نجدها أحياناً حارة وجافة وأحياناً أخرى ربيعية هادئة أو خريفية ممتعة أو ممطرة ومبهجة. نعم إننا نتحدث عن النفس البشرية وليس على حالة الطقس المتقلب.
وهناك من مثل النفس البشرية بالطفل حيث الترويض والرعاية والوقاية والتوجيه والمتابعة والمثابرة والمشقة والتعب. فإن أحسنا ترويض الطفل صار يافعاً نافعاً، ولو أحسنا تربيته أصبح قدوة لشباب جيله وأسوة يتأسى بها غيره، فتهذيب النفس كتربية الأطفال، ما أصعبها! خاصة عندما تكبح جماح شهواتها وتغلل أطرافها ونزواتها بسلاسل مرصصة حتى تستقيم.
وصدق الشاعر محمد البوصيري عندما قال:
والنفس كالطفل إن تهمله شبّ على
حب الرضاع وان تفطمه ينفطم
فاصرف هواها وحاذر أن توليه
واخش الدسائس من جوع ومن شبع
فرب مخمصةٍ شر من التخم
واستفرغ الدمع من عين قد امتلأت
من المحارم والزم حمية الندم
ومن جملة ما سبق نجد للنفس شهوة يسير الإنسان خلفها وقد تودي لهلكته وتجد لها رغبة في الامتناع عن تلبية أمر قد يكون فيه الخير فهي جامعة للتناقضات ومصنع للشيء وضده حقاً إن التحكم في هذا الجوهر لهو ترويض النفس.