محمد علي شمس الدين: الشعر بالنسبة لي مغامرة مزدوجة..

*حاورته: ضحى عبد الرؤوف المل

يمتلك الشاعر “محمد علي شمس الدين”  الكثير من نقاط القوة الشعرية لتعزيز الافكار التي من شأنها الارتقاء بالقصيدة.  لتتكيف بشكل جيد مع الإيجاز وفنية الارتباط بالمعنى . ببلاغة ذات مهارة معرفية واسلوبية بالمنحى الشعري الذي يتخذ في قصائده نوعاً جمالياً له غموضه الخاص، مما يعكس وجوه عدّة في عملية الفهم . إذ غالباً ما تحتاج الأقنعة الشعرية الى تفكيك يبرز قيمة الإيجاز في استرجاع التاريخ أو الزمن أو المكان أو ليكون حاضراً في متخيل يمنحه عدّة عناوين.  حقيقة لا أنكر أنه أثار دهشتي في هذا الحوار الذي أجريته معه، ولم أشعر بالاكتفاء من طرح الاسئلة، وإنما هو جزء من فكر كبحر كلما غاص فيه الإنسان شعر بحاجة لاكتشاف العمق بشكل اكبر وأوسع.  مع  الشاعر “محمد علي شمس الدين”  أجريت هذا الحوار.

* هل تعتقد أن الشعر يمكنه التأثير في حياتنا والتغيير في مجريات التأريخ، إذا كان الأمر كذلك  لماذا وكيف؟
– لا يمكن فهم الشعر من دون التأريخ والفلسفة، فهو معطى حضاري قديم جداً. رافق انسان الكهوف ووجدناه على جدران التاميرا وفي رُقم الطين البابلية والسومرية. وهو فلسفة العرب الوحيدة في الجاهلية كما قال الجاحظ،  كما رافق الحضارات جميعاً حتى اليوم. في عصر الفضاء وسبر أغوار الكون حتى أننا نستطيع اقتراح تعريف الإنسان بأنه الحيوان الشاعر،  وخضعت النظرة للشعر للنظر الفلسفي، ففي زمن الثلاثي اليوناني سقراط وأفلاطون وأرسطو، كان الشعر في اسفل طبقات المدينة التي يحكمها الفيلسوف باعتباره محاكاة لمحاكاة،  وتمت التضحية بالشعر الديونيزيسي الذي يخاطب النزوات واللذة لحساب الشعر الابولوني المتصل بالعقل. وجاء الإسلام غير بعيد عن هذه النظرة ا لايديولوجية الاخلاقية للشعر، لكن القرآن كان مصدراً مهماً من مصادر الشعر،  باعتباره مثيراً ومحفزاً للخيال. وهو ما انتبه له ابن عربي في الفتوحات المكيّة،  فاعتبر الشعر وليد الخيال وبالخيال تنطبع صورة الإله في الإنسان. فصالحت المتصوفة بين الشعر والقرآن وقد تأثر فكر النهضة في اوروبا بهذه النظرة، فتم نقد قاسٍ على يد نيتشه لفلاسفة اليونان القدماء، واعتبر هيدغر الشعر خلقاً جديداً للأشياء باللغة وليس محاكاة لها. واعتبر اللغة هي بيت الشاعر وحتى اليوم في عصر الحداثة،  وما بعدها لا تستقيم النظرة للشعر وتطوره ومعناه وأثره من دون النظر إليه في واقعه في العصر من ناحية وفي بعده الفلسفي من ناحية ثانية،  فنحن في عصر رقمي آلي واستهلاكي. علني يستند الى الماوس والاحتمالات وهو عصر ما بعد الحداثة، وربما التقى العلم بالشعر لناحية الاحتمالات، إذ ليس الشعر سوى احتمالات اللغة.
* ما هو الشعر الملتزم بالنسبة لك ومتى تصل لغة الشعر إلى رأس الهرم في الأدب والفن؟
– الشعر الملتزم والقمة مسألتان مختلفتان. فالشعر الملتزم رافق حركات التحرر الحديثة والمعاصرة بالمعنيين الاشتراكي والقومي في فيتنام وفلسطين والبلاد العربية واميركا اللاتينية وسواها،  فترى مثل هذا الشعر عند شعراء فيتناميين وعند ناظم حكمت، وبابلو، نيرودا ، ومحمود درويش،  وسميح القاسم،  كما تجده عند البارودي،  والشابي،  وطوقان وسواهم وهو شعر سياسي خطابي مباشر والاولوية فيه للتبليغ اكثر من جمالية الشعر وغموضه الآسر، وهذا النوع من الشعر قديم عرفه الاسلام في انطلاق الدعوة،  واعتبر الشعر لساناً من إلسنتها ومبرر وجوده إنه دعوي. ونجد في التاريخ الكثير من أنماطه حتى اليوم. إنه شعر الايديولوجيا ووظيفته التبليغ. وهو شعر شعبي على العموم وصالح للغناء كأشعار “احمد فؤاد نجم”  بصوت  “الشيخ امام”  واشعار “محمود درويش”  بصوت “مارسيل خليفة” إن أردأ اشعار تجدها مندسّة هنا بالمعنى الابداعي، وانا لا احبها وهي غير جديرة بالذكر. إن أسوأ أشعار نيرودا هي التي كتبها في هذا المجال شتائم وتبليغات سياسية يستطيع أن يؤديها أي خطاب سياسي،  كذلك قل بالنسبة لمحمود درويش،  فما غناه له خليفة اضعف شعره. بين ريتا وعيوني وسجل وسواها، إذن قمة الشعر ليست هنا في مثل هذه البلاغات بل في مكان آخر. أكثر عمقاً وأكثر جمالاً.
* لغة الشعر وقوى العولمة هل من تنافس ولمن البقاء؟
– لغة الشعر وقوى العولمة مسألتان قد تظهران على تباين، فمنذ أواسط القرن التاسع عشر، ارتفعت في اوروبا بالذات اصوات تقول بموت الشعر وموت الرسم، كان منطلقها فلسفياً على يد هيغل في كتابه عن الفن العام 1834، إذ اعتبر الفن خادماً في بلاط الفلسفة، وحيث أن الفلسفة اكتملت في رأيه، فلا بد من أن يذهب الرسم الى المتحف والشعر الى المكتبة وتوالى هذا بعد هيغل وامتد حتى اليوم. حيث ساد التفكيك مع العولمة، واتجهت الفنون عامّة في اوروبا واميركا نحو نفاياتها بما في ذلك العالم العربي بالطبع،  نحاول في أشعارنا بث روح مشرقية في الشعر، باعتباره كما عرفته جرحاً من أقدم جروح الغيب،  وإنه الكلمة التي تجرح المجهول لتكشف عن أسراره. وإن الشعر ليس كما قال هيغل موضوع في خدمة الفلسفة أو الجمال أو الايديولوجيا، بل! هو ابن الوجود العظيم وكل شيء بما في ذلك المعرفة موضوع في خدمته. إنه التوليد الدائم للوجود باللغة والخيال.
* ماذا يعني لك التأريخ في لغة الشعر؟ وما الذي يستوقفك فيه؟
– العلاقة بينهما قديمة، لا تأريخ بلا شعر ولا شعر بلا تأريخ،  لكن المزج بينهما يؤدي الى تعطيل كل منهما، وهذه المسألة كنت قد انتقدت فيها “ادونيس”  في كتابه “الكتاب” من خلال مقال نشرته في جريدة الحياة بعنوان البحث عن إبرة الشعر تحت قش التأريخ، مشيراً الى أنه، قد أثقل الشعر في كتابه بحمولة تأريخية حتى أرهقه، وقد زاد عليَّ في حينه. ثم أشار فيما بعد في ندوة حاورته فيها إلى أن اليوت قبله في الأرض اليباب استعمل مئات الشواهد التأريخية. ووجهة نظري هي أن الشعر وإن اتكأ على التأريخ، إلا أنه يبدأ من حيث ينتهي التأريخ،  والقصد إن الشعر طبيعته تحويلية يحول الواقع والمعرفة والتأريخ الى خيال، وبالتالي يحول التأريخ الى أسطورة والعلم الى افتراض.
* هل تقمصت شخصية تأريخية استوقفتك شعرياً؟
شعري مملوء بالأقنعة، الحلاج،  الحجاج،  محمد ديك الجن،  قيس،  غويا، دالي،  المعري،  المتنبي،  الشيرازي. هناك دراسات كثيرة اكاديمية موضوعة حول الأقنعة التأريخية في شعري، لكنّ المهم هو كيف تكلمت من وراء هذه الرموز ولماذا استعملت هذه التقنية، والجواب هو أن القناع يحجب المتكلم، ويجعل المعنى يأتي من وراء حجاب، بالتالي المحجوب له قوة سحرية في التأثير. مثل قوة الساحر، الملوك كانوا يحتجبون على العموم وراء عدّة أستار، وهناك مآرب أخرى في الأقنعة.
* الشعر بالنسبة لك هل هو تأريخ لحروب وممالك وشعوب وحضارة؟
– الشعوب والتواريخ والحضارات مثلها مثل أبسط الأشياء، تصلح لتكون موضوعات القصائد. مثل عنوان الياس من الوردة أو ذكر ما حصل للنبي حين أحب أو دخان القرى.. إلخ، هذه عناوين قصائد وبرأيي أي موضوع سواء كان جليلاً أو نافلاً ويومياً حين يدخل الى حمى القصيدة. يلحق به التحويل، وهذا التحويل يجعله شعراً، وغالباً ما ينقله من الواقع الى الأسطورة والشعر هو أسطورة الواقع.
* يقال النقد سهل والفن أصعب، متى تمارس النقد في القصيدة ومتى تمارس الفن فيها؟
– النقد كالشعر فن صعب. دائماً في قصائدي صوتان وأكثر، وأنا شاعر نقائض واحتمالات. وربما عبرت عني في هذه المسألة قصيدة لي في ديوان” ممالك عالية”  بعنوان “لا يعجبني”. حيث كل شيء فيها لا يعجبني، وأنا نفسي حين تظن إني اعجب نفسي لا اعجبها.
* ما الذي تتمنى تغييره في التأريخ وفي الشعر وفي المرأة ؟
– كل شيء حين يدخل القصيدة يتغير.
* تعزيز الهوية الشعرية للانفتاح على العالم، ماذا يحتاج وأين موقع قصيدة محمد علي شمس الدين في العالم؟
– الشعر بالنسبة لي مغامرة مزدوجة هو مغامرة في اللغة وهو مغامرة في الوجود
* الكلمة الأكثـر أهمية بالنسبة لك ما هي؟
– ربما هذا المقطع من ديوان “غيم الأحلام” الملك المخلوع يأتي من جهة البحر، ومن وجهة الصحراء طفل بدم أبيض بقنابل ضوء فسفورية بحمام أو بطباشير،  ويدوّن فوق اللا شيء هواجسه لاشيء.
_________
*المصدر: المدى

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *