*عادل الأسطة
“الطفل أبو الرجل”. كتب الشاعر (وردز وورث). العبارة قرأتها في مقدمة سيرة جبرا إبراهيم جبرا “البئر الأولى” 1986 وغالباً ما أعود إليها. كلما درست جبرا ودرست سيرته الذاتية أكرر العبارة، ذلك أنني أقرأ كل فصل دراسي المقدمة التي كتبها للسيرة.
كما لو أن جبرا يقول لنا: إنني ما زلت ذلك الطفل الذي عاش في بيت لحم والقدس ولم أتغير كثيراً. إن أبي هو الطفل في ولم أختلف كما يرى نقاد أدبي.
الرأي الشائع عن جبرا أنه كاتب برجوازي لم يقارب في رواياته هموم الفقراء ومشاكلهم ولم يقترب من قضايا اللاجئين الفلسطينيين في انكسارهم وتمردهم وثورتهم و..و.. ودليل النقاد أبطال روايات الكاتب جميل فران ووديع عساف ووليد مسعود. وقد كتب جبرا سيرته الذاتية عن طفولته حتى يقول للنقاد: “لو تعلمون أي طفولة عشت”!؟
لا تختلف فدوى طوقان كثيراً عن جبرا و(وردزوورث) فهي تقول لنا في سيرتها الذاتية “رحلة جبلية…رحلة صعبة”: إن طفولتها تركت أثراً كبيراً على حياتها اللاحقة. لقد ظلت تخشى الآخرين وتخافهم وتحذر منهم وظلت أيضاً تتحدث بصوت خفيض لا يكاد يسمع وهذا صبغ أشعارها الأولى، وربما يصح القول أيضاً: إنه ينسحب على شعرها المقاوم، والأخير فيه من الهدوء وعدم التحدي ما يجعل المرء يشك فيما قاله عنه الإسرائيليون من أن كل قصيدة من قصائدها تخلق عشرة فدائيين. نعم إن المرء يشك في هذا الزعم مع أن الشاعرة أوردته في الجزء الثاني من سيرتها “الرحلة الأصعب”.
هل ننسى الناقد الانجليزي (أدموند ولسون) وما كتبه عن الروائي (تشارلز ديكنز)؟
ذهب الناقد إلى أن سجن والد (ديكنز) وإجبار والدة الروائي له للعمل في مصنع للدهان الأسود تركت أثراً كبيراً على حياته فانعكس هذا في رواياته.
لم تذكرني الأعمال الأدبية والأدباء السابقون بطفولتي لأبحث عنها هذا الأسبوع، مع أنني غالباً ما أبتسم وأنا أقرأ في سيرة جبرا، لأنني أتذكر مواقف شبيهة كثيرة مررت بها كان جبرا مر بها.
من القصص التي أوردها جبرا قصة الحذاء والهيطلية، ولا أنكر أن ما حدث معه حدث معي تقريباً.
في طفولتنا الفقيرة كنا نعاقب إذا لم نحافظ على الحذاء أو إن قدمنا طعاماً خبأته الأم لها أو لزوجها/ الأب طبعاً. وقد كتب الشاعر راشد عيسى ديواناً شعرياً وقصائد عن الحذاء الذي كان أبوه يشتريه له ويفرط هو فيه وكتب هذا أيضاً في روايته/ سيرته “مفتاح الباب المخلوع”.
في الجزء الثاني من سيرة جبرا فصل عنوانه “سيدة البحيرات” وكلما قرأته تذكرت قصة مشابهة حدثت معي في ألمانيا.
أعود إلى الطفولة. حقاً ما الذي ذكرني بهذا كله؟
****
طفولة
في الثلاجة ثلاث قطع من الشوكلاتة وحبة من (بون بون) والأطفال ثلاثة.
تترك الأطفال يفتحون الثلاجة ويأخذ كلٌّ قطعة. لمن ستكون حبة الـ( بون بون) وتفترض أن تبقى وحيدة.
الأول فكر على ما يبدو في شأنها. هل أتركها للثاني أم للثالث؟ “من سرى ربح” ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً.
والأطفال لم يسمعوا ببيت الشعر أو بقائله ولكنهم بالغريزة سيتصرفون.
الأول الذي آثر نفسه رفع يده وهو خارج أن أنظر: أخذت قطعة الشوكلاتة فقط.
التوجيهات أحياناً لا تؤثر ولا تجدي نفعاً أمام الأثرة وقطعة الشوكولاتة.
في طفولتي كانت أمي ترسلني لشراء الخضار والدجاج وكنت أشتري تذكرة سينما أيضاً وحين كانت أمي تسألني عن ثمن الدجاج والخضار كنت أخبرها مضيفاً إليه تكلفة تذكرة السينما دون أن أفصح.
نظرت في الثلاجة أبحث عن حبة الـ (بون بون) وتذكرت أمي وطفولتي والدجاج وتذكرة السينما وجبرا و(ديكنز) و(وردزوورث) وبعض الفصائل الفلسطينية ودول الصمود والتصدي وبعض القيادات الإسرائيلية التي خسرت الانتخابات وحوكمت لأن السيدة الأولى حولت دولارات إضافية إلى حسابها في الولايات المتحدة الأميركية.
ثمة خطأ في مملكة الأرض ولهذا قال المسيح: “مملكتي ليست من هذا العالم”.
ربما أنا مخطئ! ربما!
_______
*الأيام
مرتبط