كازو ايشيغورو حاصد نوبل 2017..مزيج من جاين أوستن وكافكا

*محمد حجيري

قالت الأكاديمية السويدية، التي تمنح جائزة نوبل للآداب، إن الروائي المولود في اليابان كازو إيشيغورو، فاز بالجائزة لأنه كشف عن عمق “شعورنا الوهمي بالارتباط بالعالم”. وأشادت بمؤلفاته التي تميزت “بضبط النفس بغض النظر عن الأحداث التي تجري”، وكان “أكثر ارتباطا بموضوعات الذاكرة والوقت والوهم الذاتي” وفقا لما جاء على الحساب الرسمي للأكاديمية على تويتر. وأكدت ساره دانيوس، الأمينة العامة الدائمة لأكاديمية نوبل السويدية التي تمنح الجائزة قولها: “إذا ما خلطنا بين جاين أوستن وكافكا نحصل على كازو إيشيغورو”.

وأجرت هيئة الإذاعة البريطانية، اتصالاً هاتفياً مع إيشيغورو لتخبره بفوزه، واعترف أنه فوجئ ولم يكن على اتصال مع أعضاء لجنة نوبل من قبل، كما أنه لم يكن متوقعا واعتقد أن الاتصال خدعة. وقال إيشيغورو، عن نيله الجائزة، أنه “شرف رائع، وذلك يعني أنني أسير على خطى أعظم المؤلفين الذين نالوا الجائزة، وهذا هو ثناء رائع”. واعتبرت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أن فوز إيشيغورو مفأجاة للجميع، إذ إن هناك أسماء لكتاب روائيين يابانيين لهم شهرة واسعة أكبر من تلك التي حصل عليها “كازو” كما أنهم من الأكثر مبيعًا لعدة سنوات ومنهم: “هاروكي موراكي، ومارغريت أتوود، ونغوغي وا ثيونغو”. واضافت الغارديان، أن اختيار إيشيغورو تصحيح لأخطاء اللجنة في العام الماضي؛ بعدما ذهبت إلى بوب ديلان، والذي تعامل مع الجائزة بطريقة متغرطسة وضعت الأكاديمية في حرج شديد، الأمر الذي أثار استياء الأدباء والمبدعين في العالم.

 الياباني
وكازو إيشيغورو، ثالث ياباني يفوز بالجائزة بعد ياسوناري كواباتا وكنزابورو أوي، ولد في 8 نوفمبر 1954 في ناكازاكي باليابان، وغادرت عائلته إلى لندن سنة 1960 وهو في سنّ السادسة مع أخته الكبرى فوميكو على أمل أن يعودوا بعد عام إلى اليابان لكنّهم آثروا البقاء في بريطانيا، يعلّق إيشيغورو على هذا بقوله: “أهلي  أرادوا الإغتسال من العار والهزيمة بالمسافة والضباب لكي لا يتهدّموا كجدران ناغازاكي”، وبعد عشر سنوات من وصوله إلى بريطانيا توفيّ جدّه في بيت العائلة القديم في ناغازاكي حيث عاشوا مجتمعين وكان الجدّ يمثّل له الصلة الوحيدة باليابان. ولم يزر إيشيغورو اليابان إلّا مرّة واحدة بمناسبة صدور الطبعة اليابانيّة لروايته “بقايا اليوم”، ثم تجنّب العودة ثانية لأنّه خشي أن “يقترف جريمة إكتشاف موت الجميع” كما صرّح مرّة. حصل إيشيغورو على شهادة جامعيّة أوّلية من جامعة كنت عام 1978 ثم حصل على الماجستير من جامعة إيست أنكليا عام 1980. قطع دراسته ليعمل في دائرة العمل الاجتماعي في اسكوتلندا لرغبته في”القيام بشيء حقيقي اكثر من الدراسة”. انتقل الى جمعية خيرية في لندن تعنى بإسكان المشردين، وهناك التقى الاسكوتلندية لورنا ماكدوغال التي تزوجها في 1986. لم يكن قارئاً كبيراً. ولم يأت إلى الرواية من”قصة حب كبيرة مع الادب… أكبر ويصيبني الذعر من الموت قبل قراءة الاعمال الادبية الكبيرة”. عندما قرأ “القدس الذهبية” لمارغريت درابل فكر أنه يستطيع كتابة الرواية مثلها.

الغرباء
يعد إيشيغورو أشهر مؤلفي الأدب المعاصرين في العالم المتحدث بالإنكليزية، يحمل تأثير ثقافتين، اليابانية والإنكليزية… ومن صناع الثقافة الانكليزية “الغرباء”، الى جانب الهندي سلمان رشدي والباكستاني حنيف قريشي، والمصرية اهداف سويف، والصومالي نور الدين فارح، دون أن ننسى طارق علي… وايشيغورو  صنفته صحيفة التايمز عام 2008 والمؤلف 32 في قائمتها لأعظم 50 مؤلف بريطاني منذ عام 1945، لم يكن مولعا بالقراءة والكتابة في بدايته، ويسخر من أعماله الروائية، لكنه ادهش بعض الناشرين البريطانيين وهو في الثالثة والعشرين من عمره عندما قدّم لهم روايته الأولى “منظر شاحب للتلال” لخوفه من ضياع ذكرياته عن اليابان، ويقول: “تولاني إحساسٌ بالذعر، وودت أن أحافظ على نسختي من اليابان آمنةً، أن أصونها أدبيًا”. وفازت باكورته بجائزة وينفريد هولتباي ميموريال التي تقدمها الجمعية الملكية للأدب ومنحها اتحاد المكتبات الأميركي لقب أفضل كتاب لعام 1982. وتحكي الرواية عن الذكريات الأليمة لامرأة يابانيّة في حقبة ما بعد الحرب العالميّة الثانية ومحاولتها التعامل مع حقيقة إنتحار ابنتها، ويقول إيشيغورو عن ذلك: “كان لدى الناشرين نهم عظيم لهذا الطراز الجديد من النزعة العالمية في الأدب، وكان النقّاد توّاقين إلى إكتشاف جيل جديد من الروائيّين بعد إستغراق المجتمع  لزمن طويل في روايات تتحدّث عن النظام الطبقيّ الإنكليزي وزنا المحارم والخيانة الزوجية وغيرها، أراد القرّاء جيلاً مختلفاً تماماً عن الجيل العجوز من الكتاّب البريطانيين”. والنوبلي الجديد الذي تُرجمت مجموعة لا بأس بها من أعماله إلى العربية في مصر والاردن، حصل على عدد من الترشيحات لجائزة بوكر الأدبية ونالها عام 1989 عن روايته “بقايا اليوم”(أو النهار) ترجمها طلعت الشايب عن المركز القومي للترجمة، ويعتبرها جيف بيزوس، مؤسس شركة أمازون – روايته المفضلة، وهي تحولت فيلما يحمل الاسم نفسه من إخراج جيمز أيفوري. تدور احداثها حول تداخل وتقاطع بين الذاكرة الفردية والتاريخ الوطني من خلال عقل رئيس خدم (ستيفنس) الذى يعمل في قصر إنكليزي عريق (دار لنغتون هول)، يرى أنه خدم الإنسانية لا لشيء إلا لأنه سخر كل كفاءته وخبرته المهنية لخدمة رجل عظيم (لورد دارلنغتون). وباستعراض تاريخه في المهنة يكتشف “ستيفنس” ما يجعله يضع كل شيء موضع المساءلة: عظمة اللورد، علاقته بالآخرين، معنى حياته التي عاشها في عزلة عن كل شيء باستثناء وظيفته، معنى الكرامة المهنية، الزمن المفقود الذي يحاول استعادته.

نشر كازو روايته الثانية “فنان من العالم الطليق” عام 1986، ورُشحت لجائزة بوكر وحصلت على جائزة ويتبريد عام 1986 وجائزة سكانو الإيطالية عام 1995. ترجمتها هالة صلاح الدين إلى العربية لتصدر عن دار “أزمنة” الأردنية والمركز القومي للترجمة في القاهرة. وتتحدث الرواية عن فنان العالم الطليق رجل مهزوم، رجل أرغم على إعادة النظر في قيمه بعد أن تملكه الإحساس بالخسارة والمسؤولية عن الأذى الذي لحق بشعب اليابان إبان الحرب العالمية الثانية جراء تأثير من هم مثله: من طوّعوا الفن لخدمة السياسة، خسر الاحترام الذي كافح طيلة حياته ليفوز به. حتى تلاميذه تبرأوا من فنه، مرة نبذاً واحتقاراً لما اعتبروه خيانة عظمى، ومرة خوفاً من أثر هذا الفن في ظل سيطرة أميركية هيمنت عسكرياً وثقافياً عقب الحرب. وقالت الناقدة كاثرين مورتِن في مجلة “ذا نيو يورك تايمز بوك ريفيو” إن “الكُتاب الجيدين كُثُر ولكنه من النادر أن نجد روائيين جيدين. إن كازو إيشيغورو يُمثل هذه الندرة. إذ تبدو روايته الثانية لي من نوعية الروايات التي تُمدد وعي القارئ لتُعَلمه أن يقرأ متسلحاً بالمزيد والمزيد من التبصر”.

لا عزاء
رشحت رواية ايشيغورو “مَن لا عزاء لهم” (1995) لجائزة ويتبريد وحصلت على جائزة شيلتنهام. وترجمها الى العربية طاهر البربري عن المركز القومي، وتدور احداثها في إطار غرائبي متفرد فى الخصوصيه، فنجد عازف البيانو “رايدر” يصل إلى قريه صغيره ليقوم بعمل مهم ليله الخميس. وهذه الروايه تخلط ما بين الواقع والحلم، وتكمن عناصر الإثاره فيها في عدم الاستقرار الذي تشهده الأحداث باستمرار.

 أيضا رُشحت روايته كازو “عندما كنا يتامى” (2000) لجائزتيّ ويتبريد وبوكر، وقد تُرجمت عن المركز القومي بتوقيع طاهر البربري، وذاكرة الراوي في الرواية مشوشة، مثل كل الرواة في كل أعمال إيشيغورو الروائية؛ فهو على مضض يمارس خداع ذاته؛ كما أنه يقمع الذكريات أو الأكاذيب المؤلمة ليجعلها أكثر لذة، فهو يقدم أيامه المدرسية على أنها أفضل فترات حياته، ويصر على هذا بعناد وتصلب شديدين. ووصف ايشيغورو هذه الرواية بأنها فاشلة على الرغم من أنه مغرم بأعمال الكاتبة البريطانية الراحلة أغاثا كريستي، وحاول نهج طريقها. وعام 2005 رُشحت روايته “لا تتركني أبداً” لجائزة بوكرن وهي متاحة على قرص مضغوط بصوت روزالين لاندور.

وفي احدى ندواته كشف ايشيغورو ان انجاز روايته “العملاق المدفون” استغرق منه عشر سنوات لأن زوجته قالت له ان المسودة الأولى “هذر”. وبدأت الرواية بداية متعثرة وتابع قائلا “ما حدث اني كنتُ اكتبها وكنتُ اظن اني احقق تقدما طيباً بكتابة 80 صفحة في السنة. ثم أطَّلعت زوجتي على ما كتبتُه وقالت “ان هذا لا يصلح” ولا يمكنك الاستمرار على هذا المنوال بل عليك ان تبدأ مرة اخرى، من البداية”. واضاف ايشيغورو “ان هذا كان حكماً قاسياً ولكن ما العمل؟” وضعتُ النص جانبا ومر بعض الوقت كي استجمع الطاقة الكافية للبدء مرة أخرى من الصفر”.

عرف عن إيشيغورو انتقاده اللاذع للنزعة العسكرتارية اليابانيّة ويقول  في هذا الصّدد: “قادة اليابان وعجائزها الذين استنهضوا غريزة الحلم العسكري والتفوّق الشوفيني قادوا البلاد إلى الجحيم وعندما انتهت الحرب انصرف بعضهم لترميم الخراب فيما انتحر البعض الآخر، جدّي رفض أن يصحبنا إلى بريطانيا، لم نقل له وداعاً، وهذه محنة عذابنا، كان لديه مفهوم آخر للأرض والوطن: حتّى الموتى يحمون الأرض من الرحيل أو من التفكك! بقي جدّي شاهداً على أنّ ناغازاكي لن تزول، ولكن أليس جدّي واحداً من جيل العار ذاك؟”.
__________
*المدن

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *