تصدر قريبًا عن دار فضاءات للنشر والتوزيع، طبعة جديدة من كتاب (الصوت والصدى: مراجعات تطبيقية في أدب الاستشراق) للناقد والأكاديمي الدكتور غسان عبد الخالق. وتشتمل الطبعة الجديدة على ترجمة باللغة الإنجليزية لمقدمة الكتاب التي استأثرت باهتمام ملحوظ في الأوساط الثقافية العربية والأجنبية.
وكانت الطبعة الأولى من الكتاب قد صدرت أواخر عام 2016 مهداة إلى إحدى مجموعات القراءَة الشبابية (كتاب على الطاولة)، وضمت ثلاثة أبواب؛ حاول الكاتب في الأول منها (بخصوص إعادة بناء آليات الاستقبال) التدليل على كيفية إقدام المفكّر الراحل إدوارد سعيد على تثبيت صورة الاستشراق من حيث أراد تحليله، فضلاً عن إعادة تقييم ونقد الأطر المرجعية العربية في حقل الاستتشراق بدءًا بجرجي زيدان وخير الدين الزركلي ونجيب عقيقي مرورًا بعبد الرحمن بدوي وميشال جحا وانتهاء بعبد الحميد صالح ويحيى مراد. كما عمل في الثاني على القيام بمراجعات أساسية مختارة طالت جمال الدين الأفغاني ومرجليوث وطه حسين وعلي الوردي ومحمد أركون. وأما الباب الثالث (الحديقة المهجورة) فقد ضم مقتطفات من أدب الاستشراق راوحت بين التعاطف الشديد مع الثقافة العربية والاعتدال تجاهها أو مناصبتها العداء. وأنهى الباحث كتابه بخاتمة طالب فيها المثقفين العرب والأجانب بضرورة العودة إلى مربع الحوار.
ويلخص الناقد والأكاديمي الأردني د. غسان عبد الخالق المرمى البعيد لكتابه (الصوت والصدى) بالقول: (مع أن كشف الغطاء عن كتاب (الاستشراق) لإدوارد سعيد يمثل هدفًا رئيسًا لأطروحتي، إلا أنه ليس الهدف الأخطر دون ريب؛ فأنا أهدف – في الواقع- لإبراز حجم الإيهام المعرفي الناتج عن آليات الاستقبال العربية تحديدًا، وبهذا المعنى تلوح الغاية الكبرى المبتغاة وهي: الانطلاق من كشف الغطاء عن كتاب (الاستشراق) بوصفه مختبرًا نموذجيًا لسلطة المعرفة التي رسّمها ميشيل فوكو، إلى العديد من النماذج والأنساق المعرفية المرسّخة عربيًا، بوصفها خطوطًا حمراء غير قابلة لإعادة النظر أو المراجعة أو المساءَلة. وما تقدّم قد يتسبّب بصدمة عنيفة لكثير من المثقفين العرب الذين سلّموا تسليمًا يكاد يكون تامًا، بأن الاستشراق هو (الاستشراق) الذي وصفه وعاينه إدوارد سعيد، لكن الاستشراق – في الواقع- يكاد يكون كيانًا مختلفًا تمامًا عن الصورة الثابتة التي رسّخها كتاب إدوارد سعيد في أذهان الأجيال الجديدة من المثقفين العرب).
ولم يدّخر غسان عبد الخالق وسعًا في كتابه (الصوت والصدى) جهدًا للتدليل على الأدلجة المتعمدة التي مارستها آليات الاستقبال العربية على صعيد تأويل كتاب (الاستشراق) لإدوارد سعيد، إلى درجة الاستعانة بتصريحات مدوّية للمفكّر الراحل وردت في معرض تقديم النسخة العربية الأولى من كتابه (الثقافة والإمبريالية) والتي حذفت في الطبعات العربية التالية: (في عام 1981 صدر الاستشراق في ترجمة عربية لافتة قام بها الدكتور كمال أبو ديب، ليتعزّز مقام هذا الكتاب بوصفه إما دفاعًا عن الإسلام أو هجومًا مقذعًا عنيفًا ضد الغرب؛ وكلا الأمرين لا يمت بصلة إلى ما كنت قد انتويته أصلاً من تأليف الكتاب. ومع مرور الزمن، اكتسبت كلمة (الاستشراق) شهرة واسعة باعتبارها لفظة تجريح وتشهير وذهبت أدراج الرياح التحدّيات المعرفية والمنهجية الأساسية التي جسّدها الكتاب… إن الأمر في نظري ليقع على مشارف اللغز أو السّر؛ لماذا ساعد (الاستشراق) في باكستان والهند وإفريقيا واليابان وأمريكا اللاتينية والولايات المتحدة الأمريكية، على إطلاق العديد من انهاج الإنشاء الجديدة وأساليب التحليل وإعادات تأويل للتاريخ والثقافة، فيما ظلّ تأثيره في العالم العربي محدودًا؟!)