لقاء الغرباء

خاص- ثقافات

*الاطرش بن قابل

ترتجف الأشجار بقدوم الخريف، في هروب قلوبها إلى جوف الأرض لاحتضان الأم، تُسقط بعض من أوراقها، شجرة الليمون التي غرستها منذ سنين تظل منتصبة القامة تنتشي برائحة خوفهم، لا زالت تلتحف اللون الأخضر دون أقرانها فقد اكتسوا الأصفر الباهت كلّون الموت، لازالت كعادتها تعطر المكان، بعض عطرها،كعطر مرورك صباحا على مقبرتك، أين دفنت بعضي وكل قلبي.

في تلك الأروقة التائه في الدواليب المظلمة من بستان الحياة، حين تساوى النهار والليل، كان ذلك خط وسط في العمر، متجها تنازليا من رأس الهرم ينظر إلى الجهة التي قطعها منه، ربما يتحسر على ماضيه أو يحّن إليه بعض الشيء،لكنه إعلان لبداية النهاية، هرم قد تناقصت الجهة التي تبقت منه بميله إلى مستقبل أكاد أرى حافته.

بعينين مغمضتين، كنت قد ضممت بعضا من طيفك والبعض الآخر اتخذ جنبات الحائط يستَّظل من شمس الخريف الفّارة من لهيب الصيف، ،يُلطف حَرّها نسمات من ريح الشمال الباردة تنذر بقدوم الشتاء، لونها كلّون السهر على وجهي المخــاط ببداية تجاعيد بالية على بعض جوانبه والبعض الذي نجى من جروح الزمن، اشتعل فيه بياض الشعر فمحي ملامح الشباب.

  أستدير لأنال بعضا من ذكراك في أريج المكان، علِّ أمسك بعضا من طيفك الفار، ليرتطم وجهي بصفعات الدهر ، كذلك الريح تُساير قسوة الدهر بلفحات بردٍ على صدري العاري إلاّ من ثياب صيف نسيت تغييرها، عندما يصبح الزمان في غير ساعة يدك، يصبح المكان أضغاث أحلام مغروسة في بيداء لا رجاء في ثمرها.

عيون متشدقة من العدم إلى العدم، وقلب جريح ينتظر سقوط المطر،ليُلَّملم بعضا من دماءه المُشَتتة على أرصفة حدائقه الشاحبة والممرات القديمة في مدينة من العهود الغابرة أكل عليها الزمن بعض أيامه والباقي منها استنشقه في نرجيلة بنفحات عفيون فلم يعرف لها تاريخ بدايتها ولا نهايتها، لكنها متجددة لتُطيل عذابك كذكريات مظلمة تأبى الرواح إلى النسيان، وأيادي مغلولة إلى السماء تناجي الله فرجا.

في عداد الموتى ساعات وفي عَدَّادي عقود رجاء وأمل، قد أتممت عدّها هذا اليوم خمسون عاما بعد القرون والقرون، دونها يومان كان اللقاء فيهما كحّر الصيف تلطفه قطرات مطر،على شاطيء ذهبي متموج تداعبه أمواج البحر دون أن تزيح سكونه. فاليوم السعيد دقائق مما تعدون.

 

شاهد أيضاً

يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت

(ثقافات) يَنبثُ لِي شارِبٌ.. منَ الصَّمت حسن حصاري منْ يمُدُّ لي صوْتا غيرَ صوْتي الغائِب؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *