خاص- ثقافات
*موسى إبراهيم أبو رياش
انتشى وهو يقرأ رواية “قواعد العشق الأربعون”، فقد تصور نفسه شمساً التبريزي، خلبت لبه هذه الشخصية بعفويتها وتحررها وتمردها وانطلاقها وتقلبها وحبها للحركة والترحال ومصادمة المألوف.
عندما أنهى الرواية، حضر على اليوتيوب مجموعة من فيديوهات الرقصة المولوية التي تُنسب إلى مولانا جلال الدين الرومي تلميذ شمس التبريزي، ثم قام يحاول أن يتقمص شمساً في رقصته، رقص ببطء في البداية ثم تسارع شيئاً فشيئاً وهو يقول بتنغيم : أنا شمس … شمس … شمس ، أنا شمس… شمس…، شمس… ويكررها دون توقف.
اندمج في رقصته، وأغمض عينيه، وغاب عن الوجود. دخل الغرفة أخوه الصغير، لم يفهم ما يجري، فخاف وأسرع ينادي أمه وأخته، فأخذوا يراقبونه مشفقين عليه، لا يدرون ما أصابه، فلم يروه من قبل على هذه الحالة غير الطبيعية، فنادت أمه: أي شمس وأي قمر يا حبيبي، أنت نديم، أنت نديم… توقف أرجوك.
انتبه إلى الصوت، لم يتوقف، لم يفتح عينيه، قال وهو يكمل رقصته: أعرفكم، فأنتم تلاميذ حبيبي جلال الدين، الذي فارقتموه غيرة وحسداً، لأنه لزمني وآثر صحبتي، أتيتم لتقتلوني، لا أخاف منكم، فافعلوا ما شئتم.
واستمر في رقصته ذاهلاً عما حوله، رجته أمه مرة أخرى، فلم تجد منه إلا التحدي، ودعوته أن يقتلوه إن استطاعوا، فالأجل مكتوب، وما هم إلا أدوات في يد القدر.
دخل والده وهم على هذه الحالة، سمع آخر ما تفوه به ابنه، وظن أن مسَّاً أصابه، أو جنوناً اعتراه، أمسك بتلابيبه ليوقفه، لكنه تفلت منه وأكمل رقصته مغمض العينين، قائلاً: خسئتم أن تمسوني بسوء، إلا أن يشاء مولاي. احذروا أن تحلَّ عليكم اللعنة.
فصفعه والده صفعة أذهبت سكرته، وأيقظته من وجده وغيبته، تحسس وجهه ذاهلاً، فرأى أسرته تنظر إليه بين غاضب ومشفق وخائف.
نظر والده إلى رواية “قواعد العشق الأربعون” تتربع على المكتب، وفيديو رقصة مولوية ما زال مصلوباً على شاشة الكمبيوتر، فخاطب ولده قائلاً: لقد أصابتك لوثة الكتب كما يظهر، وإن عدت إلى جنونك مرة أخرى، حرَّمتُ دخول الكتب إلى البيت، وأحرقت مكتبتك عن بكرة أبيها، فلا تلجئني إلى ذلك، أفهمت؟!
ثم خرج مغضباً، أما نديم، فقد غرق بخجله، واندس في فراشه، متجهاً نحو الجدار، هارباً من نظرات أمه وإخوته.