الكاتب الجيد يصنعه قارئ جيد وناقد جيد

ثقافات

*حوار مع إبراهيم مشارة على صفحات المجلة الجزائرية للثقافة:

يعد الأديب الجزائري إبراهيم مشارة واحدا من المثقفين والمبدعين  الجادين والجيدين الذين يحترمون ذائقتهم وذائقة القارئ الجيد، مارس الكتابة بسرودها، فأبدع في القصة القصيرة، كما مارس النقد بعينين جادتين لا تسمحان للمجاملة ولا الرياء بالتسلل إليهما. التقيناه في هذا الحوار، وحاولنا الاقتراب منه ومن عالمه الابداعي.. من الكتابة والثقافة، ففتح لنا قلبه وكان هذا اللقاء.

لو طلبنا من ابراهيم مشارة أن يتكلم عن نفسه، ماذا يقول؟

إبراهيم مشارة كاتب وناقد جزائري من مواليد عام 1967 بزمورة ولاية برج بوعريريج كان أول لقاء له مع وهج الحرف وغلالة النور عبر الكتاب حيث التحق به في سن الخامسة وحفظ نصيبا من القرآن الكريم وقد كان للقرآن الكريم الأثر البالغ في التوجه نحو الأدب والتحليق بجناحي العاطفة والخيال في فضاء التعبير الأدبي انتسب إلى كلية الآداب وتخرج منها كما كان لوالده السيد عمر مشارة الأثر البالغ في اختياراته فقد كان الوالد معلما رائدا ثم مفتشا للغة العربية وفقيها له قيمته واحترامه في بلدته ومكانته العلمية والفقهية تحتوي مكتبته على ذخائر الأدب العربي قديمه وجديده ومنها نهل مانهل اشتغل حينا بالتدريس ثم التحق بالتفتيش كمفتش للغة العربية في التعليم الثانوي منذ عام 2007 .. على عتبة الخمسين في رصيده كتاب وهج الأربعين دراسات في الأدب والنقد أصدرته وزارة الثقافة عام 2007
ونشرته دولة الكويت ككتاب إلكتروني عام 2011 ومجموعة قصصية ديوان الحكايا صدر في القاهرة عام 2011 عن دار إيزيس للطباعة والنشر ونشرته دار ناشري الكويتية ككتاب إلكتروني في نفس السنة عام2011، وكتاب ثالث ضم مقالات من الكتاب الأول ومقالات نقدية جديدة جعل عنوانه أوراق ادبية صدر في ألمانيا وتسوقه شركة أمازون العالمية في عام2016.
دخل حقل الكتابة الأدبية في سن الثامنة عشرة بإصدار أول مقالة أدبية عن العقاد وطه حسين في جريدة الشرق الأوسط اللندنية ثم توالت مقالاته في مجلات العالم العربي المحكمة كالعربي والرافد وأخبار الأدب القاهرية والتبيين الجزائرية والجيل اللبنانية والمنهل السعودية وغيرها. نالت قصته الأولى جائزة القصة عن اتحاد أدباء العراق عام 2007 وكتبت عنها جريدة الشروق الجزائرية ثم نالت قصته الثانية جائزة القصة من القاهرة عام2010، كما نالت دراسته عن فكر زكي نجيب محمود جائزة الاستحقاق من مؤسسة ناجي نعمان اللبنانية عام2008.. شارك في ندوات أدبية وفكرية داخل وخارج الوطن كان آخرها في مصر عبر مؤسسة نجلاء محرم وقناة النيل الثقافية.

كيف تفسر غيابك عن المشهد الثقافي والأدبي في الجزائر عكس حضورك اللافت في الخارج؟

والله لست غائبا تماما كنت أنشر من حين لآخر بمجلة التبين الجزائرية وجمعتني صداقة بالراحل الطاهر وطار وكان يأخذ المقالات مني بنفسه ونلتقي في الجاحظية ثم لما مرض وسافر إلى باريس للعلاج انقطعت علاقتي بالجاحظية لا تنس أنني أكتب من حين لآخر بمجلة أصوات الشمال وأنشر من حين لآخر بموقع اتحاد الكتاب الجزائريين وبضفاف الإبداع . صحيح توجهت إلى النشر بالخارج بسبب حالة الجمود والانكماش التي تشهدها الساحة الوطنية وأعتقد أنني صنعت اسما محترما في الوطن العربي وفي المهجر عبر مجلاته ومواقعه الأدبية وكثير من مقالاتي تحظى بالاحترام وتتخذ مرجعا أكاديميا وهذا يظهر لي من خلال وضع اسمي أو عناوين المقالات على الشبكة العنكبوتية.

وأنا أقرأ “ديوان الحكايا” بدت لي عوالمك السردية ضاربة في الأرض، بتفاصيلها وتناقضاتها. هل الكتابة جزء من البيئة؟

الأرض قدر المبدع والتحامه بها جزء من كينونته الأدبية وهويته الإبداعية لا تنس أن عظمة الأدب وألقه في محليته أولا مالذي يجعل العالم يحتفي بالثلاثية وهي قاهرية في الصميم ؟ وما سر خلود الأيام لطه حسين والدروب الوعرة لمولود معمري إنها البصمة المحلية حتى لو كان ذلك المكان بسيطا ولكن ليس للأديب إلا مكانه وأرضه التي نشأ بها. لاتنس أن في نشأتي ببلدتي زمورة عشت كثيرا من التجارب التي تحدث عنها طه حسين في الكتاب ومارون عبود في وجوه وحكايات وميخائيل نعيمة في قصصه اللبناني المحلي . العفوية والبساطة والحميمية والتكافل بين أبناء البلدة فضلا عن الحرمان والرغبة في الانعتاق والتطلع نحو الأفضل وعشق الحياة ومباهجها والعوائق التاريخية والسياسية والاجتماعية والثقافية كل هذا يشكل خزانا للإبداع ورغبة في التعبير بسلاسة وطلاقة لكنني في ديوان الحكايا التقطت نماذج من الحياة القروية بسرد حر انسيابي يتفتح على خصوصية المكان وشذا الزمان الذي تدور عجلته لتتلف ماتبقى من دمن الذاكرة خصوصا في هذا العالم الزاحف بتقانته وثورته الرقمية كما تسمى. إن ديوان الكايا احتفاء بالإنسان البسيط المحروم واحتفاء بالزمن الذي ولى إنه نوستالجيا إيجابية تعطي للجيل الجديد معالم من حياة الأمس في القرية وتشعرهم بعراقة منبتهم وجماليات الحياة البسيطة

وهل على الكاتب أن يكون “مناضلا” أدبيا؟

أعتقد أن الالتزام كفكرة طارئة مرفوضة أي كنوع من الإكراه والإلزام الخارجي لأن ذلك يحد من حرية الكاتب ويجعله بوقا دعائيا إن الالتزام فكرة داخلية تنبع من ضمير الكاتب خاصة لما يكون وطنه في منعرج خطير ويحتاج إلى الدعم هنا الداخل ينادي الكاتب وليس الخارج. لاحظ أن نزار قباني كان يكتب عن نكسة حزيران ولكنه لا يكف عن التغني بالحب إنه لا يسمح لنفسه بالالتزام الذي يكون إملاء سياسيا بل قناعة تنبع من الداخل أن الحياة ليست جيدا وشفة وهمس الحب بل الوطن والتحرر والانتصار على الرجعية وشجب الانتهازية السياسية .

ما لاحظته أنك قلما تتناول الأدب الجزائري الراهن في دراساتك وقراءاتك

صحيح في كتابي وهج الأربعين مقالة واحدة يتيمة عن الشيخ موسى نويوات الذي جمعتني به صلة صداقة امتدت حتى مماته عام1999 وهذا ليس بخسا للأدب المحلي ولكنني صرت أتوجه نحو الإبداع الوطني والاحتفاء به فمنذ أسابيع أصدرت دراسة عن الشاعر الفذ مبارك جلواح الذي انتحر بباريس عام 1943 وأنا أعلم أن المرحوم الدكتور عبد الله الركيبي اصدر كتابا عنه لكنني صغت دراسة مختصرة عن حياة الشاعر ونقد لشعره ونشرتها هنا في الجزائر وفي الخارج خاصة عبر مجلة ثقافات التي أكتب فيها بشكل منتظم ومجلة مركز النور التي تصدر بالسويد. ومجلة مسارب المحترمة التي تصدر بالمغرب.

وما الذي يجعل ابراهيم مشارة مبتعدا حالياً عن الابداع الأدبي مكتفيا بالنقد؟

في الآونة الأخيرة اتجهت إلى النقد وكرست نفسي له لكنني أطمح إلى عمل سردي طويل فأنا في الأصل قصاص كما يقول والدي ومعظم قراءاتي في الآونة الأخيرة أعمال سردية عربية خاصة. إن السرد يغويني ويستهويني حتى أنني على صفحة الفايسبوك صرت ألتقط صورا من حياة البلدة في السابق وأقدمها في شكل فني سردي كصورة ضربتها فرشاة السرد ورسمت معالمها جماليات اللغة دون الخروج على مصداقية التاريخ ، ناهيك عن الرغبة في الارتقاء بالفضاء الأزرق الذي يجدر استغلاله.

هذا يقودني إلى سؤالك: كيف يقرأ ابراهيم المشهد الثقافي الحالي.

المشهد الثقافي الحالي في تراجع للأسف يغلب فيه الكم على الكيف على مستوى الجامعة وعلى مستوى الصحافة الأدبية تقريبا فنحن بلد تعداد سكانه يقترب من الأربعين مليونا لا نملك مجلة أدبية محترمة على غرار الجيل والعربي والهلال والفيصل، وصالات السينما مغلقة ودور النشر اتجهت إلى نشر الكتب التجارية ذات المضمون الضحل والإنتاج السينمائي نادر للأسف والغناء تجاري محض يكاد يخلو من الكلمة المهذبة والشعور الدافئ، إنها انتكاسة ثقافية بكل المقاييس للأسف الشديد.

وما مدى اقترابك مما ينتجه زملاؤك الأدباء؟

أقرأ لبعضهم في حدود الإمكان وهناك أقلام لا بأس بها وطنيا وعربيا وتبقى مشكلة محدودية المقروئية عائق للأديب إن الكاتب الجيد يصنعه قارئ جيد وناقد جيد كذلك وصحافة أدبية جيدة وأعتقد أن حالتنا الوطنية مازومة حقيقة.

ما يثار بين الحين والحين: عجز الكاتب الجزائري على التجديد، ماذا تقول في ذلك؟

أقول لك بكل صراحة على الرغم من سمعة بعض الأسماء وانتشارها عربيا وتكرر طبع أعمالها إلا أن الحقيقة أنها لم تستطع أن تكون في مستوى المؤسسين للرواية مثلا بن هدوقة و وطار ، مولود معمري كاتب ياسين محمد ديب ، هل ذلك يرجع إلى تخلخل في خريطة القراءة؟ لطغيان الثقافة الاستهلاكية خاصة العالم الرقمي وإغراءاته؟ للإحباط السياسي والاجتماعي والاقتصادي وانصراف همة الإنسان إلى تدبير المعاش دون البحث عن مباهج الثقافة وإغراءات الفن؟ لتردي حالة الجامعة والبحث العلمي لندرة النقاد الجيدين؟ أعتقد انني أثرت الاسئلة الجوهرية حول هذا الموضوع.

لعل هذه التهمة مرتبطة بعجز الرواية الجزائرية على المنافسة على جائزة البوكر، ما رأيك؟

أتابع القائمة النهائية للبوكر كل عام وهذه الجائزة حقيقة بالاحتفاء والتقدير حقيقة إنها جائزة عالمية وأنت تعرف أن الأسماء التي تمر ليست جزائرية هل هذا تمييز؟ كلا إنها منافسة شرسة ولكنها جميلة وتحمل أسماء جديرة بالقراءة والاحتفاء أذكر حالة سعود السنعوسي كاتب ساق البامبو ولربما مر كاتب جزائري إلى البوكر ولو أن الأمر يحتاج حقيقة إلى سنوات أخرى. وتجدر الإشارة إلى موضة الجوائز النفطية إنها ضحلة ولا تحمل قيمة حقيقية .اللهم إلا قيمتها المادية.

حسن، لماذا عجزت الرواية الجزائرية في نظرك ب”كبار” أسمائها على المنافسة في البوكر؟

الكاتب الجزائري موجود ولكنه لا يستطيع لوحده أن يكون تنافسيا وجيدا إنها شراكة مع القارئ الجيد والناقد الجيد وأنت ترى تذبذب خارطة القراءة والنقد في بلادنا على العكس من دول عربية كالكويت ومصر ولبنان والعراق والمغرب الذي أشيد بمستواه الأدبي وتحضرني حالة محمد زفزاف ومحمد شكري ومحمد بنيس ومحمد برادة ناهيك عن الكتاب بالفرنسية كإدريس شرايبي وإدريس الخوري وعلى فكرة أنا أكتب في مجلة طنجة المغربية وهي مجلة ورقية محترمة ومن المفروض أن أسلمهم دراسة عن الروائي الكبير محمد شكري صاحب رائعة الخبز الحافي التي اعتبرها الشاعر اليمني عبد الله البردوني إحدى أجمل الروايات في هذا القرن.

سأعود إليك، تبدو في الفترة الأخيرة مهتما بأدب الرحلات، وهو أدب تفتقده المكتبات الجزائرية؟

والله أعشق السفر وأهيم به لا تنس تلك المأثورات الشعرية التي حفظناها في الصغر على شاكلة وطول مقام المرء بالحي مخلق لديباجتيه أو سافرففي السفر…. إلخ ومشروعي القادم إصدار كتاب حول أسفاري أنت تعلم أن المقالات منشورة في كبريات المجلات العربية فقط الذي يعوزها الجمع والتنقيح وأطمح إلى سفريات أخرى هههه لتنسق في شكل كتاب فأدب الرحلات شكل خزانا لذاكرتي وذائقتي ومخيلتي وكنت ولا زلت مغرما به وبأسماء تركت بصمات فيه أذكر حالة أنيس منصور محمد حسين هيكل، لويس عوض ، عبد الستار طويلة ، غادة السمان وغيرها وأنا أعرف أن المرحوم الدكتور سعد الله له كتاب تجارب في الأدب والرحلة وكذا للفضيل الورثلاني ناهيك عن رحلات الحج ولكنني في كتاباتي عن الرحلة أستقصي كل شيئ خاصة الحياة وعشق الحياة والتلذذ بمباهج الحياة دون إهمال الجوانب التاريخية والسياسية والثقافية للبلد الذي أكتب عنه.لقد كتبت عن القاهرة وباريس وجنيف وأبو ظبي ومازالت أخرى لم أكتب عنها مع أنني زرتها وأنت تعلم أن الكتابة لا موعد لها إنها مثل الرغبة تماما ولكن طريقتي في الكتابة متميزة تجعل من يقرأ ينجذب ويعيش التجربة معي وعادة ما أنشره في مجلة ثقافات الدولية عن أدب الرحلة يرحب به على قطاع عريض في الوطن العربي.

ما الذي يمنحه السفر للمبدع أكبر من التغيير الشخصي؟

إن السفر غذاء للروح ومتعة ومغامرة وأفق مفتوح إنه قهوة تحتسيها في بولفار سان جرمان ،وجه جميل ينفحك بعطر مغري في روما ، شيشة تدخنها وقهوة تشربها في الفيشاوي بخان الخليلي ،كوب شاي تحتسيه في الرباط ،موسيقى عبد الوهاب تسمعها في محل حلاقة في تونس العتيقة كلها أشياء جميلة ممتعة تعطيي انطباعات ومشاعر خليقة بإثارة المخيلة وإسالة القلم دون أن أتحدث عن فرص اللقاء بشخصيات أدبية وفنية وفرصة أن يعرفك الآخرون وفرصة النشر ….إلخ حقيقة السفر أفق وحتى من يعجز عن السفر بجسمه يسافر بخياله اسمع السياب يقول وهو على فراش المرض:

وفي المساء كنت أستحم بالنجوم
عيناي تلتقطهن نجمة فنجمة
وأركب الهلال سفينة
كأني سندباد في ارتحال

ولا تنس رحلات السندباد وابن بطوطة وابن جبير وساتي ماجد وما أحدثته في الوجدان والخيال والعقل.

ماذا تقرأ الآن؟

أقرا رواية لإدريس شرايبي عنوانها الماضي البسيط هذه الرواية ممنوعة في المغرب لخلفية سياسية حتى للتحميل لا توجد اشتريتها خلال زيارتي الأخيرة إلى باريس من معهد العالم العربي وكنت يائسا من وجودها لما سألت الفتاة المكلفة بالكتب العربية ابتسمت وتكلمت معي بعربية مع أنها فرنسية قالت لي سأدبرلك نسخة إنني متخرجة من السربون قسم اللغة والأدب العربي وأعرف هذه الرواية وما أثارته من جدل وفعلا برت بوعدها وجلبت لي نسخة فرحت بها فرحا لا يوصف أنا اقرؤها ثانية.

ماذا تكتب؟

أعكف على كتابة مقالات نقدية وخواطر وأقاصيص وما من يوم يمر إلا وأنشر بمجلة عربية. وفرحت غاية الفرح لما رأيت موسوعة ويكيبيديا تضع لي ترجمة مع كبار الكتاب الجزائريين جنبا إلى جنب مع وطار وبن هدوقة وآسيا جبار وأحمد طالب الإبراهيمي وسعد الله وغيرهم.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *