*عبدالله الساورة
يتناول الفيلم الأمريكي «خفة» لمؤلفه ومخرجه جيستان ديلار، سبل العيش والمواهب والإمكانيات الذاتية التي ينميها البعض منا، مثل خفة الأيدي وكيف يمكن أن نواجه بها الأوضاع الصعبة التي نعيشها بالفعل، ذلك في شكل دراما عائلية وشبابية.
بين الواقعي والخيالي:
يأتي فيلم «خفة» أو «خفة اليد» بين الفيلم الواقعي في شطره الكبير والخيال، حول قصة شاب يدعى بو (جاكوب لاتيمور) يمتلك موهبة كبيرة في تحريك يده اليمنى بخفة كبيرة تدهش الآخرين، ويجد نفسه معيلا لأخته الصغرى تينا (ستروم ريد) ذات الـ12 ربيعا، بعد موت الأم منذ سنة وموت الأب قبل سنين عديدة. هذا المزج بين الواقعي والخيالي في الفيلم يحيلنا إلى القدرة العجيبة التي يمتلكها هذا الشاب بحيث تتحول مهارة خفة اليد إلى قصة في حد ذاتها من طابع الإبهار إلى عوالم المخدرات والكوكايين والجريمة. يصور الفيلم جوانب مهمة من نخر العصابات والمخدرات عمق المجتمع الأمريكي ومعه مجتمعات مماثلة.
ماذا يخفي البطل؟
يبدو الانتظار سمة أساسية في فيلم «خفة»، فما الذي يخفيه الشاب المبدع للألعاب السحرية العجيبة؟ يكاد هذا أن يكون سؤالا ملازما في أفق انتظار المفاجآت التي تحملها تحولات الحكاية الفيلمية. يظهر شيئا فشيئا عند وضع الشاب ما يشبه آلة مغناطيسية في ذراعه يستطيع من خلالها تحريك الأشياء بأصابعه في الشارع وفي مجموعة من الأماكن من تحويلها أو تحريكها من طريقه، ولكن السؤال والترقب يظل يحيط بنا.. ما الجديد؟ يجيب الشاب عن السؤال من خلال بوحه لصديقته أن السر يكمن في أنه منذ كان عمره سبع سنوات كان معلمه الإيطالي يعلمه تقنيات فن الخدع السحرية وعمليات الإبهار التي اكتشف أسرارها وجربها وتمادى فيها حد الهوس وأصبحت عالمه ومصدر رزقه الذي يعول به أخته الصغيرة.
حياة الظلام والترقب
الظلام والإبهام في الفيلم يحيل إلى تعاطي الشاب مع العصابة وترويجه للمخدرات والحبوب المخدرة والكوكايين طيلة الليل في الشوارع والمقاهي والنوادي الليلية ومحطات البنزين، وهي تبين حجم انتشار ظاهرة تعاطي المخدرات وحجم التجارة غير الشرعية التي تدر أموالا ضخمة. يبرز الفيلم كيفية استغلال موهبة (بو) لخفة يده في عملية السرقة ويتورط مع رئيس العصابة، أمام خضوعه التام في أن يصبح فرداً أساسياً من أفراد العصابة، حتى إقدامه على قطع يد رئيس عصابة منافس بإيعاز من رئيسه المباشر.
ينتقل الفيلم من الدهشة والإبهار نهاراً، مع بطل متعاطف إلى بائع سموم محترف لمواد قاتلة، وتورطه في عمليات السرقة، ومطالبته باسترجاع الأموال التي أضاعها، لتنتقل القصة إلى مستوى ثالث، حيث تصبح أخته الصغيرة وعائلته ونفسه محط مقايضة بين إرجاع الأموال أو قتل الصغيرة. أما عن سؤال الترقب فإنه ينتقل بنا رويدا رويدا من خفة اليد التي سيستعملها للخروج من الورطة بمعاونة عشيقته التي تشتغل نادلة في أحد المطاعم والشغوفة به، ذلك بالذهاب عند معلمه وإخباره بالورطة وتجريب مغناطيس ببطارية تدوم أطول وهنا يجد الحل الكامل في مواجهة العصابة.
الحياة العاطفية
يبدو الكثير من كليشيهات التقاء بطل الفيلم بمعجبة وتتحول بالسرعة نفسها إلى علاقة غرامية. يعرض فيلم «خفة» هذا النمط من العلاقات، أولا لشغل الفراغ القاتل الذي يعيشه الشاب بو من خلال التقائه بالشابة التي تنذهل من خفة يده، وثانيا في تطور هذه العلاقة مع تطور البناء السردي وبناء الشخصيات الفيلمية، تعويضا عن الفراغ العاطفي الذي يعيشه الشاب (بو) وكذلك لمنحه هذه الدراما بعدا عائليا واجتماعيا، وتتجه بالفيلم إلى فيلم شبابي له عشاقه ويخاطب فئة عريضة من الجمهور المتعطش لهذه الدراما العاطفية، حيث تجيش العواطف مع توابل الإثارة المعزوفة على سينما العاطفة والأحاسيس.
البطل السوبرماني في مواجهة الشر
بعد اختطاف الأخت الصغيرة تغدو خفة اليد الوسيلة المتاحة لمواجهة العصابة/الشر والخوف على العشيقة وبالتالي ينتج هذا الوضع بطلا سوبرمانيا وينتقل الفيلم من نزعته الواقعية الصرفة إلى عوالم الخيال العلمي حيث يتسلح بو بخفته وقدرة يده المغناطيسية على رمي الأشياء بقوة جارفة وضرب الأعداء بشدة وترهيبهم وتركهم في حالة ذهول من تحول الشاب والقوة التي أصبح يمتلكها.. إننا أمام سوبرمان وقوة سوبرمانية قادرة على مواجهة الشر، وتتمظهر هذه القوة في الإتيان لوحده متحديا العصابة، وفي ضرب أعضاء العصابة الواحد تلو الآخر وفي مواجهة رئيس العصابة، هذا الأخير الذي يطلق عليه ثلاث رصاصات يصدها ويعيد رصاصة إلى جبهته ويجبره على أن يخبره أين أخته أو الموت؟ هذه الخفة التي تحولت إلى قوة قاهرة وأصبحت سلاحا هي المنقذ، ومنحت بعدا تخيليا ونهاية على الطريقة الأمريكية حيث ينتصر الخير على الشر في نهاية المطاف.
النهاية
ينتقل الشاب وصديقته وأخته الصغيرة إلى مدينة أخرى ويظهر وهو يؤدي خدعا سحرية أكثر اتقانا وجودة تثير دهشة الحضور، وفي مشهد أخير تستيقظ عشيقته ولا تجده بالقرب منها فتبحث عنه فتنظر في مكتبه الذي يعج بأشيائه المغناطيسية وبصندوق غدا أكبر مما كان عليه يضع فيه أسراره، وتنظر من باب المنزل ليظهر نور ساطع ودهشة كبيرة على محيا الشابة وابتسامة عريضة. نهاية مفتوحة على اكتشافه الكثير من الخدع السحرية.
السينما وفن الخدع السحرية
تحفل السينما بأفلام الخدع السحرية التي تعج بالكثير من الأسرار والمهارات الجسدية في تطويع الجسد وتحويله إلى أداة للفرجة وإلى تحويل اليد/القدم/العين، إلى وسيلة قادرة على خدعة الأبصار. هذه العينة من السينما زاوجت بين الحيل المتاحة في فن الخدع وخدع السينما ومنحت أفلاما على مسار تاريخ السينما قادرة على المنافسة في شباك التذاكر وعلى قدرتها على الفرجة والمتابعة السينمائية. تمتاز هذه السينما بتحويل هذه المواهب وهذه القدرات في أفلام اللصوصية والسرقات الشهيرة، حيث يظهر مبدعو الخدع السحرية في أفلام السيرك الشهيرة وفي محطات الطرقات والقطارات والمقاهي والساحات ويحولون شغفهم إلى حرفة يعيشون منها، ويحولها كتاب السيناريو إلى نصوص مؤفلمة قابلة للخيال والحياة في السينما. الجميل في فيلم «خفة» هو هذا المزج بين سينما الخيال العلمي والسينما الواقعية بدون التأثير على واقعية الفيلم.
____
*القدس العربي
مرتبط