خاص- ثقافات
*خليفة الدرعي/المغرب
تطورت “فلسفة التاريخ” عبر مراحل تباينت خلالها تصورات ومناهج كتابة هذا التاريخ ، حيث كانت في بدايتها أقرب الى تفسير نشأة الكون ، اعتمادا على الأسطورة الملخصة لتمثل القدماء للوجود والظواهر الطبيعية التي أطلقوا عليها أسماء وقدسوها : (اله الريح..اله الشمس..اله البحر …الخ)وهي مرحلة تميزت بالخوف والخرافة والايمان بتحكم القوى الغيبية الخفية في مصائر البشر ، فكان تصور التقدم البشري دائريا ينطلق من الكمال ليصير إ لى الفساد وهكذا دواليك ، وهو تصور نجده خاصة لدى أفلاطون ، الذي يؤكد أن حياة البشر وعلى غرار الظواهر الطبيعية ، مد ثم جزر/سعادة ثم شقاء .وهي تقريبا نفس الفكرة الذي تبناها الرواقيون في حديثهم عن حالة السعادة الأولى في الطبيعة كتصور تشاؤمي يركز على الفساد و الانهيار.
تصور دائري نجده أيضا لدى” أغوسطين” في العصور الوسطى في حديثه عن مدينة الله ، مدينة الأنبياء ، المتصفة بالكمال وماستعرفه من انهيار بظهور مدينة الأرض (الامبراطورية الرومانية) ، منطلقا من مفهوم “الخطيئة الأولى ، كعنصر أساس في الفكر اللاهوتي المسيحي.
ظل التمثل الفكري لحركية التاريخ دائريا ومركزا على قطبي الدائرة العلوي و السفلي في حركة متعاكسة بين الطبيعي و الالهي ، مغيبا دور الفرد ، إ لى أن انطلقت البوادر الاولى لظهور فلسفة التاريخ ، مع عصر الاحياء الديني ثم الثورة الفرنسية ومارافقهما من تطور علمي ، يحتكم إ لى التجربة في حدودها الواقعية . حيث سيصبح الفرد مركزا وأساسا لكل تفكير فلسفي وتصير قيم الحرية والمساواة و العدالة محركا لكل تقدم بشري وستصبح حركة التاريخ مستقيمة يحكمها التطور والتجربة.
أصبحت فلسفة التاريخ ، دعوة للتحرر ومقاومة لكل أشكال الاستبداد و التسلط الديني و السياسي ..و نذكر هنا “فيكو” الذي استفاد من الفكر الأنواري ومن دراسته للطبيعيات ، ليصدر كتابه “العلم الجديد”، مقسما التاريخ إ لى ثلاث مراحل :
مرحلة تسود فيها الالهة وتتميز بانتشار الخرافة وهي المرحلة الوحشية ، ثم المرحلة البربرية ، حيث يسود أنصاف الالهة ويحكم رؤساء القبائل والعشائر وتسيرها الأقلية وريثة السلطة الغيبية ، لتأتي وفق هذا التطور الذي يقترحه” فيكو” المرحلة الانسانية، كفترة عقلانية ، يسود فيها النظام وقيم المساواة والديموقراطية ، إ لا أنه يستعمل فيها هذا الحق بإ فراط بسبب الغرائز و الشهوات ، مما يعجل بعودة البربرية ، فحركة التطور التاريخي عنده لولبية وتصاعدية.
يعتبر فولتير حسب الكثيرين ، من مؤرخي التفكير الفلسفي ، أنه أول من فكر في التاريخ مقسما إ ياه الى مرحلتين :
مرحلة فطرية حضر فيها العقل بالفطرة و على أساسه نظمت أمور الحياة الجماعية ، فالمرحلة الانسانية وهي مبنية على التعاقد واحترام الاخرين وعلى العدل و المساواة.. وقد ركز “فولتير” في نظريته هاته على تاريخ البشر و الأفراد ، بدل السرد التاريخي الذي يروي سير الملوك و الأمراء ، بكثير من المبالغة ، مؤكدا على أن تاريخ الانسانية هو تاريخ يهتم بكل البشر والعلوم و الفنون.
قريبا من تصور فولتير في مرحلته الأخيرة ، جاءت فلسفة “هيردر”الانسانية منطلقة من الطبيعة البشرية ومعتبرة أن الوصول الى تربية كونية و إ نسانية عالمية هو غاية الطبيعة ، وأن الانسان وبما منحه الله في طبيعته من عقل تكون تلك هي مسؤوليته وغايته.و هو تمثل فكري عقلاني جعل سبيل الوصول لهاته الانسانية الكونية واقعيا وممكن التحقق على الأرض.