خاص-ثقافات
*خليفة الدرعي
هل نغير المقاهي باستمرار ، بحثا عن توازن – ما-؟ أو بحثا عن نص يتفنن في النأي
والاختباء؟..فناجين البن لا تفلح دائما في تكسيربرودة الأوقات الراكدة في المزاج .. لا تخلق منا كائنات زرقاء تطير في خفة خارج المناطق المعطوبة في الخيال.
ثقيل هذا البن الذي يتمدد بطيئا في الشرايين والشارع عابرون في أيام بطعم البلاستيك ..أعمدة الضوء تحرس الفوضى ..وحدهم الأطفال يوزعون في سلال الوقت ابتسامات الصباح.حتى الجنازات التي تعبر أمامك بين وقت وآخر تبدو مفبركة و مريبة ، وحده الميت تتخيله يطل من بياض النعش ، يبتسم للتراب ويهمس :” ازرعوا ورودا كثيرة على قبري قبل أن تغادروا”.
هل نغير المقاهي باستمرارهربا؟.المقاهي أيضا تتحول إلى زنازن أو مقابر تحتلها الأشباح وسماسرة الوقت ، حينما تتشابه في خيالك مع صالة انتظار باردة في مستشفى عمومي ، حينما تنقصها رائحة التبغ والحشيش والبحر.
المقهى وطن الشاعر ، لذلك تذكر وأنت تسافر بين مقهى و آ خر ، أن تحمل حقيبة أوراقك
و جواز سفرك .. إ حمل خيالك كاملا ولا تنسى أن تترك لحارس العمارة قبل الخروج ، رقم هاتفك الذي تغيره باستمرار كسفاح كوبي .. قد يبحث عنك في الحانة الأخيرة أو في المخفر أ وفي ثلاجات الموتى وقد لا يجدك أبدا فتصيرمجرد فكرة و قصيدة يتيمة .
هل نغير المقاهي باستمرار بحثا عن رفيقة بسمرة البن ؟ عن موعد طافح بالنسيان؟ ..عن مزهريات على الكونطوار؟ عن نادلة هولندية؟..عن أسرار الفاشلين والمخمورين ؟.
نغير المقاهي باستمرار بحثا عن شارع غاص بالمتعبين ، يختصر الوطن في: مشهد عابرة يسرقون علبة مكياجها..في بائع برتقال لا يزهر تعب عينيه..في جنرال يطلق الرصاص بهستيرية من شرفته وينام ..في عربة جنازة تجر خلفها الفقيه و الدجال والمهندس والخضار والجزار و الاطفال….تجر خلفها أعصاب شاعر ضجر .
المقاهي أيضا تتحول الى ساحات حرب ، ثمة مهزومون و منتصرون وأتباع وإشاعات وقوادون.
المقاهي هي مَآوِي الهائمين والطاولات نباتات برية تشق أسفلت المكان ..تجمع إليها الارواح و الكلمات ..تشرب البن أيضا وتحفظ الأسرار حينما يرحل المتعبون إلى أوقاتهم.
___
*كاتب وفنان تشكيلي من المغرب