أغنية الريح المحترقة

خاص- ثقافات

* طالب همّاش

ما من ( أحدٍ ) بعدَ الآنْ .

ما من (أحدٍ ) إلّا كهلانِ

      يسيرانِ على مهلٍ

              في أحياءِ العتمةِ

مأمورُ الوحشةِ والليلُ الهرمُ التعبانْ

… كهلانِ يسيرانِ غريبينِ على دربِ الدمعِ

 فقيراً في رفقةِ سكرانْ  !

وأنا الرائي ظلَّ غريبٍ

يتطاولُ تحتَ غروبٍ محتضرٍ

ويغيبُ كنهرِ المنفى

     بين شتاءاتِ العزلةِ

         وليالي الفزّاعاتْ  .

أسألُ :يا جوّابَ الليلِ العابرَ

عندَ المغربِ أطرافَ الحاراتْ …

مخذولاً .. مغلوباً .. مجروحاً .. تعبانْ !

أينَ بكى الناسُ

وفي أيّ طريقٍ راحَ أعزّاءُ الناسِ

وما تركوا من آثارِ العمرِ سوى

 مقلِ الدمعِ المطبوعةِ في الجدرانْ ؟

ما تركوا غيرَ مواويلِ فراقٍ

تشكو الوحشةَ والغربةَ والوحدةَ

في عتماتِ  الليلِ  ،

و روحي البردانةِ في شتويّةِ حزنٍ

                             بردانْ !

ولماذا كلُّ حقولِ المغربِ يغمرها الحزنُ

وكلُّ الأصواتِ الأسيانةِ

تخرجُ من حنجرةِ الأرضِ المبحوحةِ

في ليلِ الحسراتِ السكرانْ  ؟

أين بكى الناسُ

وراحَ أعزّاء الناسِ

وأيّةُ أرواحٍ تائهةٍ بين خرائبِ هذا الكونِ

تطوّفُ كالغربانِ المهجورةِ

    في شيخوخةِ أشجارِ المرّانْ ؟

وتدوسُ على دمعكَ كلُّ الأقدام الرثّةِ

يا صبّارةَ حزنٍ تترخرخُ بالدمعاتْ !

في أيّ دروبٍ رحلتْ بالأحبابِ  العرباتْ ؟

هل نعسوا في هبّاتِ الريحِ

مع الأنّاتِ

وناموا كالأشجار البريّةِ بين مئاتِ التنهيداتْ ؟

 هل قرأوا كالغيّابِ مكاتيبَ الدمعِ

وذابوا في ظلمةِ ما بعدَ الأهاتْ ؟

أم وقفوا  كتماثيلِ العطشِ الليليّةِ

في عتماتِ شتاءٍ مهجورٍ

            منتظرينَ المطرَ الظمآنْ ؟

يا قلبُ لقد ضاعَ طريقُ العودةِ

يا قلبُ فكيف تطيقُ مرارةَ هذا الهجرانْ ؟

يا من تمشي كالضائعِ ظمآنَ الروحِ ، ضريراً

تحت أماسي الحسراتِ السكرى

وتدقُّ على أصحابِ الأمسِ

جميعَ البيبانْ !

الآنَ وقد فاضَ أسى الليلِ

وجمَّ الحزنُ عليكْ !

ستمرُّ غريباً قربَ سياجِ الدارِ الموحشِ

والدمعةُ ساخنةً تتغرغرُ في عينيكْ !

ستمرُّ على الأحياءِ الميتةِ

مثلَ غريبِ الليلِ وتبكي حاجةَ روحكَ

كالمغلوبِ على تكويرةِ كفّيكْ !

وتصيحُ بصوتٍ منتحبٍ  تحتَ هطولِ الريحِ

بكلِّ أساها أجراسُ مراثيكْ!

ستصيحُ بصوتِ أساكَ

بلا جدوى

وتردّدُ أصداءَ صياحكَ باليأسِ صحاريكْ !

واليومَ ينامُ بنوكَ بعيداً عنكَ

ولا تعرفُ في أي مكانٍ في الأرضِ

سيدفنُ ليلُ اليأسِ بنيكْ !

لكأنَّ صراخكَ في هذا الوعرِ المقفرِ

يا محراثَ الوحشةِ

يحرثُ في حقلِ الريحِ قبوراً

                  ليواريكْ !

كالراهبِ أنتَ تخيطُ خريفكَ

من أكفانِ الشجرِ العريانِ

فتعصرُكَ الغصّاتُ

وتسقطُ أوراقُ الأملِ المصفرّةُ

كالأيتامِ عليكْ !

الآنَ وقد فاضَ أسى الليلِ

وضمّكَ كالشحّاذِ وجاقُ النارْ

ستهمهمُ في همسٍ مبحوحٍ :

     ضاعَ طريقُ العودةِ يا روحُ

      فكيفَ تفارقُ هذي الدارْ ؟

يا طفّارَ الليلِ المتمايلَ في ساعاتِ

الحزنِ الليليّة كالمخمورِ

وصوتُ أساكَ يسيلُ مع الريحِ

رخيّاً وحنوناً وحزينْ !

هل هبّتْ نسماتُ الليلِ عليكَ

 برائحةِ الريحانِ

وأنتَ تمرُّ بقربِ الدارِ

وهاجتْ بين جوانحِ روحكَ ؟

يا ريحانَ حنينْ !

هل هزّتكَ تباريحُ الشوقِ

                        الهزّةَ تلو الهزّه ..

وارتعشتْ فيكَ التنهيداتُ

                   النهدةَ تلو النهده ..

وتهاديتَ مع الهدآتِ الحلوةِ

في أفياءِ بساتينِ التينْ ؟

وهلِ اشتنشقتَ عبيرَ الليمونِ المزهرِ كالمخمورِ

ورشّتْ في الصبحيَّةِ زهراتُ اللوزِ عليكَ

دموعاً وحساسينْ ؟

آهِ على لحنِ حفيفِ الحورِ الجارحِ في الدارِ

وهدهدةِ الريحِ المتطايرةِ الآهاتِ

على أحلامِ الليليينْ  !

آهِ من العبراتِ المرّة

حينَ يهزُّ مراثيكَ الشوقُ

فتبكي وتغنّي مشتاقاً للدارِ

وتغرقُ باستغراقٍ ورضى

في لحنِ وداعٍ حيرانْ !

آهٍ يا قلبُ لقد ضاعَ  طريقُ العودةِ

يا قلبُ

فكيف تطيقُ فداحةَ هذا الخسرانْ  ؟

يا جوّابَ الليلِ الجوعانْ !

الغربةُ يا جوّابُ غرابٌ

يغرسُ منقارَ الوحشةِ في القلبِ الحافي

والكلماتُ السوداءُ تحطُّ  كغربانٍ راهبةٍ

فوق جلالِ الصلبانْ  .

فلمن سنقولُ وداعاً

حين يعزُّ على الروحِ مفارقة الروحِ

وتصرخُ ريحُ الوحشةِ صرختها المشؤومةَ

ما من أحدٍ بعد الآنْ .

يا طفّارَ الليلِ

تعالَ لنجلس تحت نحيبِ الشجرِ العريانِ

ونسمع تشييعَ  الريح لنعشٍ

يتعزّلُ في بيت ترابْ !

.. نروي القصصَ  المجروحةَ

عن أحبابٍ جرحوا دمعةَ عينيكَ وعينيْ

وارتحلوا نحو عرازيلِ الوحشةِ كالعزّابْ !

و تعالَ نراقب من شبّاك العمر المهجورِ

كآبةَ هذا العالمِ  كالأغرابْ !

فالدنيا قبرٌ مفتوحٌ في الليلِ

وفي هدآتِ الليل

يعودُ الحزنُ على الغيّابْ !

… الدنيا قبرٌ مفتوحٌ لتباريحِ الشوقِ

وقد هاجت هدهدةُ الريح على الأبوابْ !

أنتَ الغامضُ تسمعُ وشوشةَ الريحِ ،

وهمهمةَ البحرِ الأبديّةَ

والكونُ بأجمعهِ في قلبكَ

        مهزومٌ وحزينٌ يا جوّابْ .

وأنا كالراحلِ أسمعُ رجعَ غناءٍ آتٍ من جهة البحرِ

وأبصرُ في الأفق الأزرقِ قاربَ ( قارونَ ) الحطّابْ .

____________

talebhammash@gmail.com

سورية – حمص

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *