خاص- ثقافات
صدر عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية جديدة لـ كريم كطافة وحملت عنوان “قرابين الظهيرة“. وفيها يقوم كريم، في عراء تموز البغدادي، من تسعينيات القرن الماضي، وتحت حرارة 55 درجة مئوية، بتسيير شاحنة هجينة التصميم، غامضة الوظيفة، تبدو أنها تذرع الشوارع بغير هدى. لا تملك من جنس الشاحنات ملمحاً. وفيها غرفتان للقيادة والمتابعة تراقبان خط سير الشاحنة. ولكل غرفة أسبابها ومآربها. فالأولى داخل البلد تمارس عملها عبر المراقبة والملازمة الأرضية، والثانية خلف البحار تتابع خط سير الشاحنة عبر الأقمار الصناعية. تمارس الأولى عملها بخبرة عميقة الجذور، ساخرة ومتشفية بظنون الثانية.. أما الثانية وهي تتابع رحلة الشاحنة عبر تكنولوجيا السماء فعالقة في مطب الاحتمالات.. كلّ غرفة منهما تشكل عالماً مستقلاً بذاته، ولكنها إضافة إلى عالم الشاحنة – الذي صهر في أتونه خمسة مصائر تبدو في غاية التنافر، مربي طيور، ومعلم مدرسة إبتدائية، وملحن موسيقي مشهور يهرب من شهرته ليبحث عن ألحان إلهية، وحكواتي مجنون، وإمام جامع ومقرئ قرآن – فإنها تشكل عالماً يتقاطع مع عالم الشوارع التي تسير فيها شاحنة المصائر تلك..
العالمان منفصلان لا يدري أحدهما شيئاً عن الآخر.. هذه العوالم المتقاطعة والمتخاصمة بما لها وما عليها تمارس حيواتها داخل النص، كما هي الحياة، حب، وكراهية، ووفاء، وخيانات، وهوايات، ومهن، وحِرف، واستقامة، وشذوذ.. يلاحقها كريم كطافةبدقة، إلى نهاية الرواية.
جاءت الرواية في 320 كلمة من القطع الوسط.
من الرواية:
فوق هذه الخبرة المتراكمة والمتحصّلة من إلمامه بشؤون وشجون الدين والسياسة والمهن والحرف المختلفة، كان النقيب شرهان يثق كذلك بحدسه. ويسمّيه الحدس الأمني. لطالما بنى فرضيات واستنتاجات على مجرد حدس دهمه، وهو ينظر بعينَي سجينٍ ما.
لكنْ؛ رغم هذا وذاك كله ظل هناك شيءٌ واحدٌ، يأباه، ولا يقربه، بل لا يريد حتّى أن يفهمه؛ هو الموسيقى والموسيقيون؛ إذ باستثناء ما يستلذّه في أحيان قليلة في أغاني الغجريات اللواتي يجلبهنّ له معاونه داود لمزرعته، هو يكره الغناء والموسيقى جملةً وتفصيلاً، بل هو يحقّر المتورطين بهما ناعتاً الجميع بـ(مخانيث وقحاب). وحتّى حين يراجع نفسه بعد لحظات الاستمتاع القليلة التي يحصل عليها من غناء الغجريات، لم يصل مطلقاً إلى مصدر تلك اللذة، أ هي من اللحن، الأداء، حلاوة الصوت، الكلمات؟ أم هي لا تعدو أكثر من إثارة جنسية، تنثها أجسادهنّ شبه العارية في عزلته الليلية..؟ لم يحقّق يوماً مع مغنّ، أو مع ملحن موسيقي، وكأن عقله الباطن متأكد أن لا خطر يأتي من هذه الجبهة. ناهيك عن أن العادة الدارجة في دولته الأمنية هي إحالة مخالفات وجنايات هذه الفصيلة من البشر إلى مديرية الأمن العام، أو شرطة الأخلاق، وليس إلى مديرية المخابرات العامة التي يتربّع النقيب شرهان على عرش أحد أقسامها المهمة (قسم القضايا الغامضة).
المؤلف كريم كطافة: