بين التنفيس والتنفير؛ رأسٌ لا بوصلة

خاص- ثقافات

*حلا السويدات

رأسٌ أيْ فوضى؛ في هذا يحتار المرء، ويتيقن الميّت، لكنّ ثمَّ حيٌّ ميتٌ يلفظُ هذه الفوضى في أقرب سلّة قمامة، ليستعيض عنها بأفكار أخرى سُرعان ما تتحوّل إلى طحالب.
يصيرُ الرأسُ بحيرة، وتخرج الضفادع من العيون حيث يلحظها الفتى الذي ضاق ذرعًا وصفعني، من ثمّ اهتزَّ شيءٌ في داخلي، وتكسّرتْ أطرافي، لم يعد البنان يقيم إرمَ ذات العماد في الهواء، ولا يكسبُ المجاز في الشوارع، بيد أنّ الناس، ما زالوا غرقى، كالفتى وأقل انتصابًا. أفقدُ اتجاه البوصلة من حيث أفقد أصابعي، ويفقدُ انتصابه وينساب كالهلام، تحت وطأة الجاذبية، سيبزغ كجبل، سينبسط كتلة، ثمّ يعلو، ثمّ أقف على قدم واحدة، ويدٌ تطول أقطاب الأرض وتثنيها ثم تصفّق، وحدها، لا معقول يختال في الرؤيا، تلتصقُ الأشياء بعضها البعض تهيئةً مزاج جديد من الجاذبية، تصيرُ جدارًا متينًا، يقف أمامه المهووس بالخيال، يقول في خاطره” أريدُ منجنيق، هذه حرب صلبة” يجيئه رأس محارب قديم، يهرعُ إلى زاوية بعيدة.. يمسك رأسَه بيده، ويده الأخرى لا حراك فيها، يهتزّ رأسُه، فوقَ تحتَ، يصفقّ بيدٍ واحدة، خياليّ بارع، يكتب شعرًا، كاد أن يفعل لولا أنّ الضفادع غلبته وانبثقت من عينيه.
قال أحدهم: هذا سُرياليّ..
وآخر: سُرياليٌّ للغاية..
انقلبت البوصلة على إثر حركة الضفادع العشوائية في رأسي، أمسكتُ إحداها عالقة في إحدى الطحالب على وجه النهر النائم، وأخرى في عين سمائها/ الرأس، تحّكه بشدة، لكنّي أضعتُ بناني، فاستعرتُ واحدًا من رجل في المدينة، فلزم ذلك أن أجلس معه ساعتين أحدثه عن ضرورة أن تستجيب لأي حركة تشعر بها داخل عقلك، “حكّ رأسك أيضًا”، لكنّ رأسه صلبٌ لا يتحرك، مدينة ميتة، حككتُ رأسي، بدا الأمرُ وكأني ارتحتُ لهذه الاستجابة، وبدأتُ أكتب..
الضفادع موطنُها الورق؛ كائنات مهووسة بالخلود، وبإبراز نفسها على نحو جميل أحيانًا، ومنفر أحيانًا أخرى، لا تفتأ تأكل آلهتها/ الخيال، وتبدأ  بتشكيل الصور، والمجازات، دينها مجاز لا متناه، وجمال يدفعها للتجلي..
أخاف من لحظة تموت فيها آخر فكرة شغوفة في رأسي، وأفلس من معناي الكبير والممتد، لكلًّ غيمة، ولي قوام يقاسي في رقعة واحدة من هذا الكون، لا غيمة لي، يوم يرقصون، ويكتبون، ويقيمون الأمسيات، ويرسمون، ويوم يشاهدون الأفلام وينتقون منها مشاهدَ عميقة وفريدة، ويختبرونها سرًّا. كيف يؤخذ المرء بفلم؟ أن ينتقل الهوسُ بالتخييل إلى الهوس بتجسيد التخييل؟!
بعدما سقطتُ من غيمة مستعارة في زمن سابق، جُنّت ضفادعي المدللة/ أفكاري، وصارت تتمرس في لذاتها، إحداهنّ حاكت فلم marie and bruce))، وتحركت على غرار حركة (julianne moore) البطيئة والمتفلتة والمقاومة للالتصاق بفعل الحبّ، كان قرفًا يفضّ نفسَه بفعل الشغف، هكذا هي الأفكار، حرّة، ومدار التجربة فيها واسع، وغير ملزم، مدار الهوسُ فيها أخّاذ.
بين التنفيس والتنفير تضيع كل اتجاهات المنطق، تقول، يضربك أحدهم، قولُك مزعج، لم تكن تعي ذلك، طالما اللغة فلمٌ لم يكتمل، و في رأسك حركة لا تنتهي.. فوضى.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *